الأذان لغة: أَذِنَ بالشئ إذنا واذنا وأذانة، بمعنى: علم.([1])
واصطلاحا: هو مخصوص في النداء الى الصلاة، والإعلام بوقتها.([2])
اتفق الفقهاء على مشروعية الأذان، حيث قال بسنيته: الحنفية.([3]) والمالكية.([4]) والشافعية.([5]) ورواية عن الامام احمد.([6]) والامامية.([7]) وذهب اكثر الحنابلة الى ان الأذان فرض كفاية.([8]) وقال بوجوبه الزيديه.([9]) ورواية عن المالكية.([10])
ولكنهم اختلفوا في أخذ الاجرة على الأذان الى مذهبين:
المذهب الاول: تحريم اخذ الاجرة على الاذان.
وهذا ما رجحه الامام المباركفوري حيث قال:(( الراجح عندي هو قول الجمهور)).([11])
وبه قال الاوزاعي، وابن المنذر، والقاسم بن عبد الرحمن، وابن راهويه.([12])
واليه ذهب الحنفية المتقدمون منهم.([13]) ورواية عن الشافعي.([14]) وظاهر مذهب الحنابلة.([15]) والظاهرية.([16]) الزيدية.([17]) والامامية.([18])
المذهب الثاني: جواز اخذ الاجرة على الأذان.
وبه قال ابن العربي.([19]) واليه ذهب متأخروا الحنفية.([20]) والمالكية.([21])وفي الرواية الثانية عن الشافعي حيث قال: عن المؤذنين ان اخذوا جعلا لم يحرم عليهم عندي. وقال ايضا: اذا لم يوجد مؤذن اعطي من خمس الخمس.([22])ورواية عن الامام احمد،([23]) وفي رواية اخرى عنه: يجوز اخذ الجعالة، وهي اعطاء شيء للمؤذن؛ ما لم يشترط عليه العمل، لكيلا تتعطل هذه القُرب، ما لم يوجد متطوع لها.([24])
الأدلة ومناقشتها
أدلة المذهب الاول:
أستدل اصحاب المذهب الاول القائلون بكراهة اخذ الاجرة على الاذان بأدلة نقلية منها:
1- حديث عثمان بن ابي العاص قال:(( اخر ما عهد الي رسول اللهr ان اتخذ مؤذنا لا يأخذ على اذانه اجرا)).([25])
وجه الدلالة:
يدل الحديث على عدم مشروعية اخذ الاجرة على الآذان، وذلك ظاهر وواضح من منطوق الحديث.
2- عن يحيى البكاء قال: قال رجل لابن عمر: اني لاحبك في الله، فقال ابن عمر: لكني ابغضك في الله، قال: ولم؟ فقال: انك تُنقي في اذانك، وتأخذ عليه اجراً)).([26])
وجه الدلالة:
هذا انكار من ابن عمر لاخذ الاجر على الاذان، بل هو زيادة في الانكار حتى اوصله الى حالة البغض فيكون غير مشروع، وهو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.
3- حديث القاسم عن ابن مسعود قال:(( اربع لا يؤخذ عليهن اجر: قراءة القرآن؛ والآذان؛ والقضاء؛ والمقاسم)).([27])
وجه الدلالة:
ذكر في الحديث ان الاذان من الامور التي لا يؤخذ عليها اجر، فكان ذلك دليلا على عدم مشروعية اخذ الاجرة عليه، وهو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.
أدلة المذهب الثاني
استدل اصحاب المذهب الثاني القائلون بجواز اخذ الاجرة على الاذان بأدلة نقلية وعقلية.
فمن الادلة النقلية حديث ابي محذورة، ومنه(( فألقى إلي رسول اللهr التأذين هو نفسه، فقال:(( قل الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله))، ثم قال لي:(( ارجع فامدد من صوتك))، ثم قال:(( أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد ان محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله))، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة)).([28])
وجه الدلالة:
يدل الحديث على جواز اخذ الاجرة على الاذان، وذلك واضح من فعلهr، فقد اعطى ابا محذورة صرة فيها شيء من الفضة؛ وذلك اجرة على اذانه، وهذا ظاهر وواضح من نص الحديث.
ويجاب عنه:
نقل الشوكاني عن اليعمري عن هذا الاستدلال فقال: ولا دليل فيه لوجهين؛ الاول: ان قصة ابي محذورة اول ما اسلم، لانه اعطاه حين علمه الآذان، وكان ذلك قبل اسلام عثمان بن ابي العاص، فيكون حديث عثمان متأخر عن حديث ابي محذورة. والثاني: ان هذه الواقعة يتطرق اليها الاحتمال، واقرب الاحتمالات من باب التأليف لحادثة عهده بالاسلام، كما اعطى غيره من المؤلفة قلوبهم، ووقائع الاحوال اذا يتطرق اليها الاحتمال سلبها الاستدلال، لما يبقى فيها من الاجمال.([29])
واما ما احتجوا به من المعقول:
فقد احتجوا بمسألة الضرورة،([30]) فقالوا: ان في الزمان القديم كانت الوظائف مقررة من بيت المال للعلماء والمؤذنين، بخلاف هذا الزمان، فيجوز الاجرة عليه.([31]) ان الامر يختلف عن ذلك الزمان، فقد اتسعت رقعة الاسلام وكثرت المساجد في اراضي المسلمين، فكان لا بد من الحفاظ عليها؛ بتعين مؤذنين فيها، علما ان المساجد هي الواجه الحضارية للاسلام، فلا بد ان تعكس الصورة الجيدة عن هذا الدين.
وقال الشوكاني: الاجرة انما تحرم اذا كانت مشروطة،ة لا اذا اعطيها بغير المسألة.([32])
وقال ابن العربي: الصحيح جواز اخذ الاجرة على الاذان والصلاة والقضاء وجميع الاعمال الدينية، فأن الخليفة يأخذ اجرته على هذا كله، وفي كل واحد منها يأخذ النائب اجرته.([33])
الترجيح
وبعد العرض للاقوال وادلتها، واجراء المناقشة لها، فالرأي الراجح هو القول القائل بجواز اخذ الاجرة على الاذان وذلك للاسباب الاتية:
1- ان الحال في هذا الزمان يختلف عما قبله، فصار من الضروري اعطاء المؤذن اجر على أذانه.
2- كثرة المساجد في هذا الزمن تحتم الى ايجاد اشخاص يقيمون عليها على الدوام في ادارة شؤونها من اذان وغير ذلك، فلا بد من اجر لهم لاجل استمراهم على ذلك.
3- حديث النبيr:(( والمؤذن مؤتمن))،([34]) يوجب على المؤذن على معرفة الاوقات وتحريها، والقيام بها عند دخول كل وقت صلاة، فعليه ان يتفرغ لذلك جميع وقته، او جله، مما يستلزم ان يكون له مصدر رزق له ولعياله، لحبسه نفس لاجل ذلك.
4- ويمكن الخروج من الخلاف ايضا بالقول ان المال الذي يأخذه المؤذن هو جعالة لما يبذله من وقت وجهد في معرفة اوقات الصلاة، وليس لاجل الاذان نفسه، كما هي عليه فتوى الامام احمد بن حنبل.
([1]) ينظر: لسان العرب، مادة(أذن) 13/9. ومعجم مقاييس اللغة، مادة( اذن) 1/77.
([2]) ينظر: تاج العروس، مادة(اذن)، 34/167.
([3]) ينظر: العناية شرح الهداية 1/ 391.
([4]) ينظر: الكافي في فقه اهل المدينة 1/ 196.
([7]) ينظر: المبسوط للطوسي 1/179.
([10]) ينظر: الفواكه الدواني 1/21.
([12]) ينظر: المغني 1/460. ونيل الاوطار 2/44. وشرح سنن ابن ماجة : 1/1419 .
([13]) ينظر: المبسوط للسرخسي 1/255. وشرح فتح القدير 1/247. والبحر الرائق 1/268. وحاشية رد المختار 1/392.
([14]) ينظر: الحاوي الكبير 2/131. المهذب 1/59. المجموع 3/125. كشاف القناع 2/138.
([15]) ينظر: المغني 1/460. والمبدع 1/364. والروض المربع 1/53. ومطالب اولي النهى 2/207.
([17]) ينظر: السيل الجرار 1/573.
([18]) ينظر: وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، للشيخ محمد بن الحسن الشهير بالحر العاملي، ت 1104هـ, تحقيق: محمد الرازي، دار احياء التراث العربي- بيروت، 1/225.
([19]) ينظر: نيل الاوطار 2/44.
([20]) ينظر: البحر الرائق 1/268. وحاشية رد المحتار 1/392.
([21]) ينظر: المدونة الكبرى 1/160. والكافي في فقه اهل المدينة 2/756. والتاج والاكليل 1/357. ومواهب الجليل 2/115. والفواكه الدواني 1/450.
([22]) ينظر: الام 6/208. المهذب في فقه الامام الشافعي 1/59.
([23]) ينظر: المغني 1/460. والمبدع 1/364. والانصاف 1/290.
([24]) ينظر: الاقناع في فقه الامام احمد بن حنبل، لشرف الدين موسى بن احمد بن موسى ابو النجا الحجاوي، ت 960هـ، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة- بيروت، 1/75.
([25]) اخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة- باب ماجاء في كراهية ان يأخذ المؤذن على الاذان اجرا، رقم الحديث 209- 1/409، وقال عنه: حديث عثمان حديث حسن صحيح. واخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه، كتاب الآذان- باب من كره للمؤذن ان يأخذ على اذانه اجرا، رقم الحديث 2384- 1/228. واخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الآذان والسنة فيها- باب السنة في الآذان، رقم الحديث 714- 1/236.
([26]) اخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة- باب البغي في الآذان والاجر عليه، رقم الحديث 1852- 1/481. واخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه، كتاب الآذان- باب من كره للمؤذن ان يأخذ على اذانه اجرا، رقم الحديث 2387- 1/228. واخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب من اسمه عبد الله، رقم الحديث 12883- 10- 407.
قال الهيثمي: فيه يحيى البكاء، ضعفه احمد، وابو زرعة، وابو حاتم، وابو داود. ووثقه يحيى بن سعيد القطان، قال محمد بن سعد: ثقة ان شاء الله.( مجمع الزوائد 2/11).
([27]) اخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع- باب من اجر القسام، رقم الحديث 22707- 7/41. وذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي( نيل الاوطار 2/44). والمقاسم: هو الذي يقاسمك ارضا او دارا او مالا بينك وبينه. ينظر: تاج العروس، مادة( قسم) 33/266.
([28]) اخرجه الامام احمد في مسنده، رقم الحديث 15417- 3/409. ، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: حديث صحيح بطرقه، وهذا اسناد حسن. واخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الاذان والسنة فيها- باب الترجيع في الاذان، رقم الحديث 708- 1/234. واخرجه النسائي في سننه، كتاب الاذان- باب كيف الاذان، رقم الحديث 632- 2/5. واخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة- باب الاذان، رقم الحديث 1680- 4/547، ، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: اسناده صحيح على شرطهما.
([29]) ينظر: نيل الاوطار 2/45.
([30]) ينظر: العرف الشذي شرح سنن الترمذي، لمحمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري الهندي (ت 1353هـ) تحقيق : محمود أحمد شاكر ، مؤسسة ضحى للنشر والتوزيع ، ط/1 : 1/242.
([32]) ينظر: نيل الاوطار 2/45.
([33]) ينظر: نيل الاوطار 2/44.
([34]) اخرجه الامام احمد في مسنده، رقم الحديث 9418- 2/419، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: صحيح، وهذا إسناد قوي على شرط مسلم.