صفة المسح على الخفين

0
88

اختلف العلماء في المكان المخصص للمسح من الخف؛ الى مذهبين: 

المذهب الأول: إن المسح يكون للجهة العليا من الخف فقط؛ ولا يمسح أسفله؛ وهو المذهب الذي رجحه الإمام المباركفوري بقوله:(( فالقول الراجح قول من قال بالمسح على أعلى الخف دون أسفله، والله تعالى أعلم))([1])، وقال:(( فالعمل بحديث المسح على ظاهر الخفين هو الراجح المتعين هذا ما عندي والله أعلم))([2]).

وبه قال: عمر، وعلي، وعروة، وعطاء، وقيس بن سعد بن عبادة، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وسفيان الثوري، وإسحاق، والنخعي، والأوزاعي، وابن المنذر([3]).

وإليه ذهب: الحنفية([4])، والمالكية([5])، والشافعية([6]

والحنابلة([7])، والظاهرية([8]).

المذهب الثاني: إن المسح يكون للجهتين؛ فيمسح الخف من أعلى، ومن أسفل.

وبه قال: ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن عبد العزيز، والزهري،  ومكحول، وابن المبارك، وإسحاق[ في رواية]([9]).

الأدلة ومناقشتها 

أدلة المذهب الأول:

1 ـ قول عليt 🙁 لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ وقد رأيت النبي r: يمسح على ظاهر خفيه)([10]).

وجه الدلالة: إن الإمام علياًt  بين أن القياس يقتضي مسح أسفل الخف؛ لأنَّ أسفله مظنة ملاقاة النجاسة وكثرة الوسخ ؛ لكنه معدول به عن سنن القياس؛ لورود السنة بذلك والسنة أحق أن تتبع([11]).

2 ـ عن المغيرة بن شعبةt  قال: رأيت النبي r:( يمسح على الخفين على ظاهرهما)([12]).

3 ـ إنَّ ظاهر الخف في حكم الخف وباطنه في حكم النعل ولا يجوز المسح على النعلين([13]).

4 ـ إنَّ المحرم لا فدية عليه في النعلين يلبسها ولا فيما له أسفل ولا ظهر له من الخف؛ ولو كان لخف المحرم ظهر قدم ولم يكن له أسفل لزمته الفدية؛ فدل على أن المراعي في الخف ما يستر ظهور القدمين وهو المراعى في المسح([14]).

5 ـ لأن باطنه ليس بمحل لفرض المسح فلم يكن محلا لمسنونه كالساق([15]).

أدلة المذهب الثاني:

1 ـ عن المغيرة بن شعبة t قال:( وضأت النبي r في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما)([16]).

واعترض: بأنه لايصلح للاحتجاج به؛ وقد ضعفه الأئمة الكبار: كالبخاري، وأبي زرعة، والترمذي، وأبي داود، والشافعي، وذكروا فيه أربع علل:

الأولى: إنَّ ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة؛ بل قال: حدثت.

الثانية: إنَّه مرسل؛ قال الترمذي:(( سألت أبا زرعة ومحمداً عن هذا الحديث، فقالا ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال: حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي r)).

        الثالثة: تدليس وليد بن مسلم.

الرابعة: جهالة كاتب المغيرة([17]).

وأجيب: بأنَّ علة جهالة كاتب المغيرة مدفوعة لمجيء التصريح في اسم كاتب المغيرة في سنن ابن ماجة واسمه: وارد([18]).

2 ـ عن نافع عن ابن عمرt أنه:(كان يمسح على ظهر الخف وباطنه)([19]).

3 ـ لأنَّ الجهة السفلى من الخف تحاذي وتقابل محل الفرض الذي هو الجهة العليا منه، فأشبهت الجهةُ السفلى الجهةَ العليا في المسح([20]).

الترجيح 

بعد عرض مذاهب الأئمة في المسألة وبيان أدلتهم، فاني أميل إلى ترجيح المذهب الأول القائل بمسح أعلى الخف فقط لقوة أدلتهم؛ وهو المذهب الذي ذهب إليه الإمام المباركفوري ورجحه.

([1]) تحفة الاحوذي: 1/272.

([2]) المصدر نفسه: 1/274.

([3]) ينظر: سنن الترمذي: 1/165 ، المحلى: 2/111 ، التمهيد: 11/148 ، الاستذكار: 1/227 ، بداية المجتهد: 1/19 ، المغني: 1/183 ، الشرح الكبير: 1/164 ، نيل الاوطار: 1/231 ، عون المعبود: 1/194 ، تحفة الاحوذي: 1/274.

([4]) ينظر: الحجة على أهل المدينة، لمحمد بن الحسن الشيباني أبي عبد الله (ت189هـ) تحقيق: مهدي حسن الكيلاني القادري، عالم الكتب ـ بيروت (1403): 1/35 ، الاختيار: 1/27 ، العناية شرح الهداية ، لمحمد بن محمد البابرتي (ت786هـ): 1/233 ، البحر الرائق: 1/180 ، اللباب شرح الكتاب: 1/20.

([5]) إلاّ أنهم قالوا إن مسح الأسفل سنة؛ ولو اقتصر على مسح ظاهر الخف أجزئه ؛ ينظر: سنن الترمذي: 1/162 ، التهذيب في اختصار المدونة، لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني ألبراذعي(ت372هـ) تحقيق: أبو الحسن أحمد فريد المزيدي: 1/76 ، التمهيد: 11/146 ، الاستذكار: 1/226 ، بداية المجتهد: 1/19، جامع الأمهات: 1/18 ، الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية: 1/39 ، عون المعبود: 1/194 ، تحفة الاحوذي: 1/271 ،

([6]) إلاّ أنهم قالوا إن مسح الأسفل سنة؛ ولو اقتصر على مسح ظاهر الخف أجزئه ؛ ينظر: مختصر المزني: 1/10 ، سنن الترمذي: 1/162 ، الحاوي الكبير: 1/370 ، المهذب: 1/22 ، المجموع: 1/581 ، نهاية الزين في إرشاد المبتدئين ، لمحمد بن عمر بن علي بن نووي الجاوي أبي عبد المعطي (ت 1316هـ) دار الفكر ـ بيروت: 1/28 ، تحفة الاحوذي: 1/271.

([7]) ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: 2/284 ، المغني: 1/182 ، الكافي في فقه ابن حنبل: 1/38 ، الشرح الكبير: 1/164 ، كشاف القناع: 1/118.

([8]) ينظر: المحلى: 2/111.

([9]) ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: 2/285 ، التمهيد: 11/146 ، سنن الترمذي: 1/162 ، المغني: 1/183 ، الشرح الكبير: 1/164 ، نيل الاوطار: 1/231 ، عون المعبود: 1/194 ، تحفة الاحوذي: 1/271 ،

([10]) أخرجه أبو داود ـ كتاب الطهارة ـ باب كيف المسح، برقم(162): 1/63 ، الدار قطني ـ كتاب الطهارة ـ باب ما في المسح على الخفين من غير توقيت، برقم(4): 4/204 ، البيهقي في السنن الكبرى ـ كتاب الطهارة ـ باب الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين، برقم(1292): 1/292 ، وقال الحافظ ابن حجر:(( إسناده صحيح)) التلخيص الحبير: 1/418.

([11]) ينظر: الحاوي الكبير: 1/370 ، المغني: 1/183 ، العناية: 1/233 ـ 234 ، كشاف القناع: 1/118 ، عون المعبود: 1/192.

([12]) أخرجه احمد ـ مسند الكوفيين ـ حديث المغيرة بن شعبةt ، برقم(18253): 4/254 ، الترمذي ـ أبواب الطهارة ـ باب في المسح على الخفين ظاهرهما، برقم(98): 1/165 ، وقال عنه:((حديث المغيرة حديث حسن)) ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط:((حديث صحيح)).

([13]) الاستذكار: 1/227 .

([14]) المصدر نفسه.

([15]) المغني: 1/183.

([16]) أخرجه ابن ماجة ـ كتاب الطهارة وسننها ـ باب في مسح أعلى الخف وأسفله، برقم(550): 1/183 ، أبو داود ـ كتاب الطهارة ـ باب كيف المسح، برقم (165): 1/64 ، وقال عنه:(( وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء))، الترمذي ـ أبواب الطهارة ـ باب في المسح على الخفين؛ أعلاه وأسفله، برقم(97): 1/162 ،و قال عنه:(( وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم؛ وسألت أبا زرعة و محمد [ أي البخاري ] عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء؛ قال: حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي r ولم يذكر فيه المغيرة)).

([17]) ينظر: سنن الترمذي: 1/162 ، التمهيد: 11/147 ، المغني: 1/183 ، نصب الراية: 1/156 ، العناية: 1/233 ، التلخيص الحبير: 1/417 ، كشاف القناع: 1/118 ، نيل الاوطار: 1/232 ـ 233 ، عون المعبود: 1/195 ، تحفة الاحوذي: 1/272 .

([18]) ينظر: سنن ابن ماجة: 1/183 ، عون المعبود: 1/195.

([19]) أخرجه البيهقي ـ كتاب الطهارة ـ باب كيف المسح على الخفين، برقم(1288): 1/291 ، التلخيص الحبير: 1/418 ، وجاء في مصنف عبد الرزاق ـ كتاب الطهارة ـ باب المسح على الخفين، برقم(855): 1/220 ، بلفظ: قال عطاء:( رأيت ابن عمر يمسح عليهما يعني خفيه مسحة واحدة بيديه كلتيهما بطونهما وظهورهما).

([20]) ينظر: الحاوي الكبير: 1/370 ، الشرح الكبير: 1/164.