أثر الشرط الفاسد في فساد العقد

0
39
أثر الشرط الفاسد في فساد العقد

هناك بعض الشروط التي تصاحب عقد البيع فما مدى مشروعية هذه الشروط

أثر الشرط الفاسد في فساد العقد

 

        اتفق فقهاء المذاهب على فساد البيع المعلّق على شرط مستقبل ، كقوله : إذا جاء راس الشهر ، فقد بعتك الدار ، وما أشبهها ، أو بيع النتاج أو نتاج النتاج ، وعلى هذا الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .

واستدلوا على ذلك بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يغلق الرهن) (5) .

 

وجـه الدلالة : (وهو أن يدفع رجل رهناً إلى رجل ويقول : أن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك ، وإنما فسد البيع لأنه معلق على شرط مستقبل) (6) ، فالرهن يشترك مع هذا النوع من البيع في أن كليهما معلق على شرط مستقبل إذا أغلق الرهن . ولكنهم اختلفوا في بعض الشروط التي تصاحب البيع وعلى النحو الآتــي :

أولاً : الشروط التي تنافي مقتضى العقد ، كعدم بيع المبيع أو هبته .

المذهب الأول : بطلان الشرط وصحة البيع ، وهو مذهب الإمام أحمد (1) ، وبعض الحنفية(2) ، وهو ترجيح ابن تيمية (3) .

المذهب الثاني : بطلان البيع وهو مذهب أبي حنيفة (4) ، والشافعية (5) .

الترجيح :  يرجح ابن تيمية بطلان الشرط وصحة البيع ويستدل بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) لعائشة :(خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق)(6) .

        ويقول ابن تيمية : (ونفس الحديث صريح في أن مثل هذا الشرط الفاسد لا يفسد العقد وهذا هو الصواب ، وإن كان المشترط يعلم أنه شرط محرم لا يحل اشتراطه فوجود اشتراطه كعدمه فيصح البيع ويلغو الشرط) (7) .

أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها :

1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في قصة بريرة : (ما بال رجالٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وان كان مئة شرط ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق) (8) .

وجـه الدلالة :   قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ما كان في شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ، دليل على إبطال الشرط فقط دون البيع ، لان الضمير يعود على الشرط .

 

2- استدلوا بالمعقول وعللوه بأن : (الشرط لا يستحقه أحد ولا فائدة فيه لأحد فيلغو فيصح البيع ويبطل الشرط) (1) .

إذا كان الشرط لا يستحقه أحد لأنه ليس مما يقتضيه العقد ليصح به ، وليس فيه منفعة لأحد ، بل ربما فيه مضرة فوجوده كعدمه ، وكأنه لم يكن فيصح البيع وكأنه لم يكن معه شرط .

 

أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها :

1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (أنه نهى عن بيع وشرط) (2) .

2- استدلوا بحديث (أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأتهِ زينب الثقفية ، واشترطت عليه أنّكَ إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به ، فسأل عبدُ الله بن مسعود عمرَ بن الخطاب ، فقال : له عمر بن الخطاب ،لا تقربها وفيها شرط لأحد ) (3) .

وجـه الدلالة :(لأنه شرط لم يبن على التغليب ، ولا هو من مقتضى العقد ، ولا من  مصلحته ، فأفسد العقد ، كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع  فإن قبض المبيع لم يملكه لأنه قبض في عقد فاسد) (4).

        (ويجاب عن الاستدلال بحديث : (أن النبي نهى عن بيع وشرط) ، أن الحديث ليس له أصل ولا نعرفه مروياً في مسند فلا يعوَّل عليه) (5) .

 

 

ثانياً : اشتراط عقد آخر مع عقد البيع كسلف أو قرض أو بيع أو أجاره

        اختلف العلماء في ذلك إلى ما يأتــي :

المذهب الأول : صحة البيع إذا ترك الشرط بعد العقد وقبل القبض ، وهو قول للإمام مالك(1) ، وقول للإمام أحمد (2) ، وهو ترجيح ابن تيمية (3).

المذهب الثاني : الشرط فاسد يبطل به البيع وهو مذهب الحنفية (4) ، والشافعية (5)والمشهور عند الحنابلة (6) .

أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها :

1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) (7) .

وجـه الدلالة :   (هذا الشرط باطل في نفسه ، والحديث نص على بطلان هذا الشرط وقيس عليه سائر الشروط لأنها في معناه) (8) ، فإذا بطل الشرط بقي البيع على ما هو عليه .

2- استدلوا بالمعقول : (أن التحريم هنا لم يكن لشيء محرم بعينه وهو السلف وما أشبهه ، لأن السلف مباح ، وإنما وقع التحريم من أجل اقتران البيع به ، وكذلك البيع في نفسه جائز ، وإنما أمتنع من قبل اقتران الشرط به ، فيرتفع الفساد إذا ارتفع الشرط) (9) . البيع والسلف جائزان أصلاً ، وإنما وقعت الحرمة من أجل اقترانهما لأن الحرمة ليست لذاتها ، وإنما الحرمة للاقتران فإذا أزيل هذا الاقتران صح البيع (1) .

أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها :

1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع)(2) .

وجـه الدلالة : (العقد لا يجب بالشرط لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد ، لان البائع لم يرض به إلا بالشرط ، ولأنه شرط عقداً فـي عقد فلم يصح كنكاح الشغار) (3) .

2- استدلوا بحديث النبي(صلى الله عليه وسلم) (أنه نهى عن بيعتين في بيعة) (4).

وجـه الدلالة : اعتبار السلف الذي مع عقد البيع بيعاً آخر ، مع امكان أن يكون السلف عقداً مستقلاً بنفسه ، فلما شرط مع عقد البيع أعتُبِر عقداً آخر فأصبح بيعتين في بيعة .

        والذي أميل إليه : أن الشرط الفاسد لا يبطل العقد ، ولأن العقد في نفسه صحيح لقوله تعالى : ﭽ ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭼ (5) ، فكان هذا الشرط الفاسد دخيلاً عليه  فإذا لم ينفذ هذا الشرط يبقى العقد سليماً مما يفسده ، فيستوي هو والعقد الذي لم يشترط فيه شرط ، والدليل على ذلك حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) لعائشة : (خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق) (6) .

 

(1)  الهداية شرح بداية المبتدي : 3/43 ، الاختيار : 2/277 .

(2)  بداية المجتهد : 2/123 .

(3)  المهذب في فقه الإمام الشافعي : تأليف أبي اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي ، (ت476هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1416هـ – 1995م : 2/20 ، الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي : شرح مختصر المزني : لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ، (ت 450هـ) ، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض ، عادل أحمد عبد الموجود ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان : 1414هـ – 1994م : 5/41 .

(4)  الشرح الكبير : 5/289 .

(5)  سنن ابن ماجه : لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الشهير بـ(ابن ماجه) ، (ت273هـ) ، تحقيق : أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، مكتبة التعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الأولى ، كتاب الرهون ، برقم (2241) : 3/83 ، ضعفه السندي في كفاية الحاجة ، شرح سنن ابن ماجه ، (حاشية سنن ابن ماجه ، وقال الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، رقم (2370)) : 2/64 .

(6)  الشرح الكبير : 5/290 .

(1)  الشرح الكبير : 5/285 .

(2)  الاختيار : 2/278 .

(3)  مجموع الفتاوى : 29/339 .

(4)  الاختيار : 2/278 .

(5)  المجموع : 9/367 .

(6)  صحيح البخاري : كتاب البيوع ، باب اشتراط شروط في البيع ، لا تحل برقم (2060) : 2/706 .

(7)  مجموع الفتاوى : 29/339 .

(8)  صحيح البخاري : كتاب البيوع ، باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل ، برقم (2060) : 2/708.

(1)  الاختيار : 2/278 

(2)  سبق تخريجه في ص 48 هامش 1 .

(3)  المصنف : للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق ابن هشام الصنعاني ، (ت 211هـ) ، تحقيق : الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1390هـ – 1970م ، كتاب البيوع ، باب الشروط في البيع ، برقم : 14291/8/56 .   

(4)  المجموع : 9/367 .

(5)  الشرح الكبير : 5/283 .

(1)  بداية المجتهد : 2/135 .

(2)  الشرح الكبير : 5/284 .

(3)  مجموع الفتاوى : 29/339 .

(4)  الهداية شرح بداية المبتدي : 3/49 .

(5)  المجموع : 9/367 .

(6)  الشرح الكبير : 5/284 .

(7)  سبق تخريجهُ  في ص 56.

(8)  الشرح الكبير : 5/284 .

(9)  بداية المجتهد : 2/135 .

(1)  ينظر : بداية المجتهد: 2/135 .

(2)  سنن الترمذي : كتاب البيوع ، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك ، برقم (1234): 2/515 ، قال في الشرح الكبير : 5/281 ، الحديث حسن صحيح .

(3)  الشرح الكبير : 5/284 .

(4)  سنن الترمذي : كتاب البيوع ، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة ، حسن صحيح برقم (1231) : 2/513 ، السنن الكبرى : للإمام أبي عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي ، (ت303هـ) ، تحقيق : حسن عبد المنعم شلبي ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، 1421هـ – 2001م ، برقم (6183) : 6/67 .

(5)  سورة البقرة : من الآية (275) .

(6)  سبق تخريجه في هامش رقم (1) .