هناك بعض الشروط التي تصاحب عقد البيع فما مدى مشروعية هذه الشروط
أثر الشرط الفاسد في فساد العقد
اتفق فقهاء المذاهب على فساد البيع المعلّق على شرط مستقبل ، كقوله : إذا جاء راس الشهر ، فقد بعتك الدار ، وما أشبهها ، أو بيع النتاج أو نتاج النتاج ، وعلى هذا الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
واستدلوا على ذلك بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يغلق الرهن) (5) .
وجـه الدلالة : (وهو أن يدفع رجل رهناً إلى رجل ويقول : أن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك ، وإنما فسد البيع لأنه معلق على شرط مستقبل) (6) ، فالرهن يشترك مع هذا النوع من البيع في أن كليهما معلق على شرط مستقبل إذا أغلق الرهن . ولكنهم اختلفوا في بعض الشروط التي تصاحب البيع وعلى النحو الآتــي :
أولاً : الشروط التي تنافي مقتضى العقد ، كعدم بيع المبيع أو هبته .
المذهب الأول : بطلان الشرط وصحة البيع ، وهو مذهب الإمام أحمد (1) ، وبعض الحنفية(2) ، وهو ترجيح ابن تيمية (3) .
المذهب الثاني : بطلان البيع وهو مذهب أبي حنيفة (4) ، والشافعية (5) .
الترجيح : يرجح ابن تيمية بطلان الشرط وصحة البيع ويستدل بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) لعائشة :(خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق)(6) .
ويقول ابن تيمية : (ونفس الحديث صريح في أن مثل هذا الشرط الفاسد لا يفسد العقد وهذا هو الصواب ، وإن كان المشترط يعلم أنه شرط محرم لا يحل اشتراطه فوجود اشتراطه كعدمه فيصح البيع ويلغو الشرط) (7) .
أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها :
1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في قصة بريرة : (ما بال رجالٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وان كان مئة شرط ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق) (8) .
وجـه الدلالة : قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ما كان في شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ، دليل على إبطال الشرط فقط دون البيع ، لان الضمير يعود على الشرط .
2- استدلوا بالمعقول وعللوه بأن : (الشرط لا يستحقه أحد ولا فائدة فيه لأحد فيلغو فيصح البيع ويبطل الشرط) (1) .
إذا كان الشرط لا يستحقه أحد لأنه ليس مما يقتضيه العقد ليصح به ، وليس فيه منفعة لأحد ، بل ربما فيه مضرة فوجوده كعدمه ، وكأنه لم يكن فيصح البيع وكأنه لم يكن معه شرط .
أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها :
1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (أنه نهى عن بيع وشرط) (2) .
2- استدلوا بحديث (أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأتهِ زينب الثقفية ، واشترطت عليه أنّكَ إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به ، فسأل عبدُ الله بن مسعود عمرَ بن الخطاب ، فقال : له عمر بن الخطاب ،لا تقربها وفيها شرط لأحد ) (3) .
وجـه الدلالة :(لأنه شرط لم يبن على التغليب ، ولا هو من مقتضى العقد ، ولا من مصلحته ، فأفسد العقد ، كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع فإن قبض المبيع لم يملكه لأنه قبض في عقد فاسد) (4).
(ويجاب عن الاستدلال بحديث : (أن النبي نهى عن بيع وشرط) ، أن الحديث ليس له أصل ولا نعرفه مروياً في مسند فلا يعوَّل عليه) (5) .
ثانياً : اشتراط عقد آخر مع عقد البيع كسلف أو قرض أو بيع أو أجاره
اختلف العلماء في ذلك إلى ما يأتــي :
المذهب الأول : صحة البيع إذا ترك الشرط بعد العقد وقبل القبض ، وهو قول للإمام مالك(1) ، وقول للإمام أحمد (2) ، وهو ترجيح ابن تيمية (3).
المذهب الثاني : الشرط فاسد يبطل به البيع وهو مذهب الحنفية (4) ، والشافعية (5)والمشهور عند الحنابلة (6) .
أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها :
1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) (7) .
وجـه الدلالة : (هذا الشرط باطل في نفسه ، والحديث نص على بطلان هذا الشرط وقيس عليه سائر الشروط لأنها في معناه) (8) ، فإذا بطل الشرط بقي البيع على ما هو عليه .
2- استدلوا بالمعقول : (أن التحريم هنا لم يكن لشيء محرم بعينه وهو السلف وما أشبهه ، لأن السلف مباح ، وإنما وقع التحريم من أجل اقتران البيع به ، وكذلك البيع في نفسه جائز ، وإنما أمتنع من قبل اقتران الشرط به ، فيرتفع الفساد إذا ارتفع الشرط) (9) . البيع والسلف جائزان أصلاً ، وإنما وقعت الحرمة من أجل اقترانهما لأن الحرمة ليست لذاتها ، وإنما الحرمة للاقتران فإذا أزيل هذا الاقتران صح البيع (1) .
أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها :
1- استدلوا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع)(2) .
وجـه الدلالة : (العقد لا يجب بالشرط لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد ، لان البائع لم يرض به إلا بالشرط ، ولأنه شرط عقداً فـي عقد فلم يصح كنكاح الشغار) (3) .
2- استدلوا بحديث النبي(صلى الله عليه وسلم) (أنه نهى عن بيعتين في بيعة) (4).
وجـه الدلالة : اعتبار السلف الذي مع عقد البيع بيعاً آخر ، مع امكان أن يكون السلف عقداً مستقلاً بنفسه ، فلما شرط مع عقد البيع أعتُبِر عقداً آخر فأصبح بيعتين في بيعة .
والذي أميل إليه : أن الشرط الفاسد لا يبطل العقد ، ولأن العقد في نفسه صحيح لقوله تعالى : ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ (5) ، فكان هذا الشرط الفاسد دخيلاً عليه فإذا لم ينفذ هذا الشرط يبقى العقد سليماً مما يفسده ، فيستوي هو والعقد الذي لم يشترط فيه شرط ، والدليل على ذلك حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) لعائشة : (خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق) (6) .
(1) الهداية شرح بداية المبتدي : 3/43 ، الاختيار : 2/277 .
(3) المهذب في فقه الإمام الشافعي : تأليف أبي اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي ، (ت476هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1416هـ – 1995م : 2/20 ، الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي : شرح مختصر المزني : لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ، (ت 450هـ) ، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض ، عادل أحمد عبد الموجود ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان : 1414هـ – 1994م : 5/41 .
(5) سنن ابن ماجه : لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الشهير بـ(ابن ماجه) ، (ت273هـ) ، تحقيق : أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، مكتبة التعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الأولى ، كتاب الرهون ، برقم (2241) : 3/83 ، ضعفه السندي في كفاية الحاجة ، شرح سنن ابن ماجه ، (حاشية سنن ابن ماجه ، وقال الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، رقم (2370)) : 2/64 .
(3) المصنف : للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق ابن هشام الصنعاني ، (ت 211هـ) ، تحقيق : الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1390هـ – 1970م ، كتاب البيوع ، باب الشروط في البيع ، برقم : 14291/8/56 .
(4) سنن الترمذي : كتاب البيوع ، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة ، حسن صحيح برقم (1231) : 2/513 ، السنن الكبرى : للإمام أبي عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي ، (ت303هـ) ، تحقيق : حسن عبد المنعم شلبي ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، 1421هـ – 2001م ، برقم (6183) : 6/67 .