الشرط لغةً : (إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه ، والجمع شروط ، وهو أن يكون الشرط ملازماً للعقد لا قبله ولا بعده ، والاشتراط هو العلامة التي يجعلها الناس بينهم) (1) .
والشرط في عرف الفقهاء : (ما يلزم من عدمه عدم حكم ، وسببٌ سواء علق بكلمة شرط أو لا)(2) ، وقد ذكر الفقهاء الشروط التي يجوز أن تقترن بالعقود وهي الشروط التي توافق مقتضى العقد لا خلاف عليها وأنواعها كالآتي :
النوع الأول : (اشتراط صفة قائمة بمحل التصرف وقت صدوره فان فات هذا الشرط يكون للمشتري الخيار ككون البقرة حلوباً) (3) .
النوع الثاني : (اشتراط ما يقتضيه العقد وجوازه أيضاً محل اتفاق عند الفقهاء لأنه بمثابة تأكيد كشرط التسليم إلى المشتري) (4) .
النوع الثالث : (اشتراط ما يلائم مقتضى العقد ولا يقتضيه ، وهو مقرِّر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكدٌ إيَّاه ، كما لو باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهناً أو كفيلاً والرهن معلوم والكفيل حاضر) (5) .
النوع الرابع : (اشتراط ما ورد في الشرع دليل جوازه كلزوم البيع عند التفرق)(1) لحديث (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) (2) .
النوع الخامس : (اشتراط ما جرى عليه التعامل بين الناس وهو مما لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه ولكن للناس فيه تعامل ، ومثاله إذا اشترى نعلاً لفرسه على أن يحذوها البائع) (3) .
النوع السادس : (إذا اشترط البائع نفعاً على المشتري كسُكنى الدار شهراً او نحوه)(4) .
هذه الشروط أجازها الفقهاء مع البيع لكونها لا تخالف مقتضى العقود على العموم ومن أجازها استدل بحديث جابر الذي ذكر فيه البيع والشرط (5) . فيما روي عن جابر انه قال : (ابتاع مني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعيراً وشرط ظهره إلى المدينة) (6) .
وجه الدلالة : أن الذين أجازوا اقتران العقود بالشروط استدلوا بهذا الحديث وفيه دلالة على جواز اقتران العقد بالشرط بدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يعترض على هذا الشرط ، مع أنه استثناء ظهر البعير بعد العقد والانتفاع منه لحين وصول المدينة .
والذين يصححون الشرط مع البيع لم يصححوا حديث : (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع وشرط) (1) لما روي عن احمد أنه قال : (ليس له أصل ولا نعرفه مروياً في مسند فلا يعول عليه) (2) .
وقد اختلف الفقهاء في مسألة الشروط التي تنافي مقتضى العقد على النحو الآتـي:
المذهب الأول : جواز البيع مع فساد الشرط وعلى هذا بعض الحنفية (3) ، ورواية عن مالك(4) ، وبعض الشافعية (5) ، والحنابلة (6) ، وهو ترجيح ابن تيمية (7) .
المذهب الثاني : فساد البيع والشرط وهذا مذهب الحنفية (8) ، وبعض الشافعية (9) ، وعند الحنابلة إذا اشترط شرطاً آخر كبيع أو سلف (10) .
الترجيح : أما ترجيح ابن تيمية فهو موافق لمذهب الإمام أحمد فهو يقول (والقياس المستقيم في هذا الباب الذي عليه أصول أحمد وغيره من فقهاء الحديث ، وان اشتراط الزيادة على مطلق العقد أو اشتراط النقص جائز ما لم يمنع الشرع منه ، فإذا كانت الزيادة في العين أو المنفعة المعقود عليها كما إذا اشترط على المشتري أن يعتق العبد أو يقف العين على البائع فهو اشتراط تصرف مقصود) (1) ، ويقول ( ليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت حله بعينه وان انتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم ، فثبت بالاستصحاب العقلي وانتفاء الدليل الشرعي عدم التحريم) (2) .
أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها:
1- استدلوا (3) بعموم حديث بريرة ، (ما بال رجالٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وان كان مئة شرط ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن اعتق) (4) .
وجه الدلالة : هذا الشرط الذي اشترطه أهل بريرة ليس في كتاب الله بل هو منافي لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (الولاء لمن أعتق) في الحديث ، وعلى هذا فانه يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً ويقاس على هذا عامة الشروط التي تنافي مقتضى البيع (5) . والضمير في قوله (صلى الله عليه وسلم) (فهو يعود على الشرط ، وهذا يدلل على بطلان الشرط فقط مع بقاء العقد ، ولو أبطل البيع لقال فالبيع باطل والله أعلــم) .
2- استدلوا بالمعقول ((يجوز البيع ويبطل الشرط لأنه لا يستحقه أحد فيلغو بخلوه من الفائدة ))(6) .
أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها:
1- استدل الحنفية والشافعية أيضاً بحديث (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع وشرط) (1) .
وجه الدلالة : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الشرط الذي مع البيع والذي ينافي مقتضى البيع ، أما الشروط التي لا تنافي مقتضى البيع فهي محل اتفاق بين الفقهاء ، وإنما نهى عن الشروط التي ليست في كتاب الله. واستدلوا بحديث (لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع ) (2) .
وجه الدلالة : أن عدم الحل يقتضي الحرمة ، (والنهي يقتضي الفساد ، ولأن العقد لا يجب بالشرط ، لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد ، لان البائع لم يرضَ به إلا بالشرط ، ولأنه شرط عقداً في عقد فلم يصح كنكاح الشغار) (3) .
2- استدل الحنفية على مذهبهم هذا بان (اشتراط المنفعة الزائدة في عقد المعاوضة لأحد العاقدين من باب الربا) (4) .
ترجيح الباحث
والذي أميل إليه هو المذهب الذي يقول بصحة العقد مع بطلان الشرط الذي معه ، لان التحريم إنما كان للشرط الذي معه وإلا فالعقد صحيح ، فإذا زال هذا الشرط بقي العقد صحيحاً ، والدليل حديث بريرة والله أعلـم .
(1) لسان العرب : 7/82 ، (مادة شرط) .
(2) فتح العلام لشرح بلوغ المرام : محمد صديق حسن القنوجي البخاري ، الناشر دار صادر بيروت : 2/2 .
(3) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : 5/172 ، ومغني المحتاج : 2/34 .
(4) بدائع الصنائع : 5/172 ، المجموع : 9/364 ، الشرح الكبير : 5/277 .
(5) البدائع : 5/171 ، المجموع : 9/364 ، الشرح الكبير : 5/277 .
(1) الموسوعة الفقهية : 26/6 (شرط).
(2) البخاري : كتاب البيوع ، باب الخيار : 2003/2/692 .
(3) البدائع : 5/172 .
(4) بداية المجتهد : 2/134 ، الشرح الكبير : 5/279 .
(5) بداية المجتهد : 2/133 .
(6) البخاري : كتاب الشروط ، إذا اشترط ظهر الدابة إلى مكان مسمى : 2569/2/906 .
(1) المعجم الأوسط : للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، (ت360هـ) ، تحقيق : طارق عبد عوض الله محمد ، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415هـ – 1995م ، باب من اسمه عبد الله ، رقم 4361/4/335 ، في طريقه عبد الله بن عمرو وفيه مقال ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : نور الدين أبي بكر الهيثمي ، دار الفكر ، بيروت – لبنان : 2/14 .
(2) الشرح الكبير : 5/283 .
(3) الاختيار : 2/278 .
(4) بداية المجتهد : 2/134 .
(5) نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت 478هـ) ، تحقيق : أزد عبد العظيم محمود الديب ، الطبعة الأولى ، 1428هـ – 2007م ، طبع دار المنهاج : 5/376 ، المجموع : 9/364 .
(6) الشرح الكبير : 5/284-285 .
(7) مجموع الفتاوى : 29/176 .
(8) تحفة الفقهاء : لعلاء الدين السمرقندي ، (ت539هـ) ، دار الكتب العلمية ، طبعة بيروت – لبنان : 1/55 .
(9) مغني المحتاج : 2/31 .
(10) الشرح الكبير : 5/284 .
(1) مجموع الفتاوى : 29/176 .
(2) المصدر نفسه : 29/150 .
(3) الاختيار : 2/278 .
(4) صحيح البخاري : كتاب البيوع ، باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل : 2060/2/807 .
(5) ينظر : الشرح الكبير : 5/284 .
(6) المصدر نفسه : 5/284 .
(1) سبق تخريجه في الصفحة السابقة : 1/53 .
(2) الجامع الكبير : للإمام الحافظ أبي عيسى ، محمد بن عيسى الترمذي ، ت (279هـ) ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ، الطبعة الأولى ، دار الغرب الإسلامي ، 1996م ، برقم 1234/2/515 ، والحديث حسن صحيح ، سنن الترمذي بأحكام الألباني : للإمام الحافظ محمد بن عيسى بن سوره الترمذي (ت 279هـ) ، تحقيق : أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ، منشورات مكتبة التعارف ، الطبعة الأولى .
(3) الشرح الكبير : 5/284 .
(4) تحفة الفقهاء : 287 .