هل يشترط المحرم في حج المرأة
المحرم واشتراطه في حج المرأة
المحرم لغة: بفتح الميم وإسكان الحاء هو الذي لا يحل له نكاحها أي المرأة يقال هو ذو (محرم منها إذا لم يحل له نكاحها)([1]).
وفي الاصطلاح: قال ابن قدامة (المحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو بسبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع…)([2]).
وهذا التعريف قاله العلماء على اختلاف يسير في بعض جزئياته([3]).
وقد اختلف العلماء في اشتراط المحرم للمرأة التي تنوي الحج إلى قولين فمنهم من جعله شرطا ومنهم من لم يجعله ثم اختلف القائلون باشتراطه إلى أن هذا الشرط للوجوب ومنهم من قال هذا الشرط للأداء وسأجعل المسالة على أنها مختلف فيها على ثلاثة أقوال وعلى النحو الأتي:
القول الأول: يشترط المحرم للمرأة وهو للوجوب، فلا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد المحرم.
وهو قول جماعة من التابعين منهم ابراهيم النخعي والشعبي والحسن البصري([4])وهو قول سفيان الثوري لكنه حدده بان لا يقل السفر عن ثلاث ليال والا فلا يشترط([5]) واليه ذهب الأحناف([6]) وهو قول الحنابلة في الراجح من مذهبهم([7]).
الأدلة ومناقشتها:
1-حديث ابن عباس y قال: سمعت النبي e يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة الا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة الا مع ذي محرم فقال رجل يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة واني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: انطلق فحج مع امراتك) متفق عليه([8]).
وجه الدلالة: انه لا يجوز للمراة أن تسافر أي سفر بدون محرم وهو ظاهر من الحديث([9]).
2-حديث أبي سعيد الخدري t ان النبي e : (نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين الا ومعها زوجها أو ذو محرم…)([10]).
وجه الدلالة: ان النبي e نهى المرأة عن السفر الا مع وجود الزوج أو المحرم والحج من جملة الاسفار ولا يخص الا بدليل.
وأجيب عن هذا الاستدلال بان الله تبارك وتعالى أوجب الحج يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ…)([11]) ففرض الحج واجب بنص الاية، فمتى كانت المرأة مستطيعة لزمها هذا السفر الواجب للحج دون اشتراط وجود المحرم أو الزوج. أما هذا الحديث والأحاديث الأخرى التي نهت عن السفر الا مع زوج أو ذي محرم فهي عامة لكل سفر، فيجب استثناء الأسفار الواجبة منه، والحج سفر واجب يجب استثناؤه من جملة النهي من سفر المرأة بدون وجود المحرم أو الزوج([12]).
3-اخرج الدارقطني بسنده عن ابن عباس y انه قال: (ثم رجل جاء إلى المدينة فقال النبيe أين نزلت قال على ثلاثة قال أغلقت عليك بابها لا تحجن المرأة الا ومعها ذو محرم)([13]).
وجه الدلالة: الحديث نص في المسالة وهو النهي عن سفر المرأة للحج بدون محرم.
القول الثاني: يشترط المحرم في حجها وهو شرط للأداء فإذا عدم المحرم وتحققت السلامة بوجود رفقة مأمونة وجب الحج
والى هذا ذهب من التابعين ابن سيرين وعطاء وظاهر قول الزهري وقتادة والحكم بن عتيبة والاوزاعي([14])وهو مذهب المالكية وعندهم أن الرفقة المأمونة تقوم مقام المحرم عند عدمه سواء أكانت من النساء أو من الرجال([15])وهو مذهب الشافعية لكنهم خصوا الرفقة بكونها من النساء([16])وهو مذهب الزيدية لكنهم خصوه بالعجوز دون الشابة وعندهم الشابة يشترط لها المحرم كالقول الأول([17]) وهو رواية عن احمد([18]).
الأدلة ومناقشتها:
1-حديث عدي بن حاتم t عن النبي e وهو حديث طويل فيه: (قال: فان طالت بك الحياة لترين الظعينه ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف احدا الا الله)([19]). وفي رواية لأحمد فيها (لتوشكن الظعينة أن تخرج بغير جوار حتى تطوف)([20]).
وجه الدلالة: ذكر النبي e الظعينة وحجها لوحدها من غير تعليق فدل على جواز ذلك.
واعترض على هذا الاستدلال بأنه يدل على وجود ذلك أي سفر المرأة وحدها إلى الحج، ووجوده في المستقبل، ولا يدل على جوازه، فضلا عن عدم دلالته على وجوب الحج على المرأة التي تستطيع السفر للحج وحدها لعدم وجود الزوج أو المحرم معها([21]).
وأجيب عن هذا الاعتراض بان ما جاء في هذا الحديث الشريف هو خبر في سياق المدح، وحصول رفع منار الإسلام في المستقبل، فيحمل ما ورد فيه على جواز سفر المرأة وحدها، وليس على مجرد وقوع هذا السفر في المستقبل([22]).
قال الشوكاني: (والأولى حمله على ما قال المتعقب أي على الوجود لا الجواز)([23]).
2-حديث احمد بن محمد (الازرقي) الذي رواه البخاري وفيه (إذن عمر t لأزواج النبي eفي أخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف)([24]).
وجه الدلالة: لقد حجت أمهات المؤمنين برفقة عثمان وعبد الرحمن y وهذا حصل باتفاق بينهما وبين عمر ونساء النبي e دون نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك([25]). وهذا إجماع سكوتي على جواز ذلك أي جواز سفر المرأة للحج بغير محرم. واحتج به الشافعية لأنهنَّ كن ثمانية واحتج به المالكية لانهن كن برفقة عثمان وعبد الرحمن.
3-واحتجوا بالقياس على من أسلمت في دار الحرب فان لها الخروج إلى دار الإسلام وحدها، وكذلك الأسيرة المسلمة إذا تخلصت من اسر الكفار فان لها الخروج وحدها إلى دار الإسلام وبالتالي يجوز أن تخرج وحدها إلى الحج([26]).
وأجيب عن هذا الاستدلال بأنه قياس مع الفارق لان خروج المرأة المسلمة وحدها إلى دار الإسلام في هاتين الحالتين هو خروج للضرورة، فلا يصح أن يقاس عليه خروج المسلمة للحج في حال السعة والاختيار، ولأنَّهما يدفعان بخروجهما ضرر بقائهما بين الكفار بتعرضهما للفتنة أو الاعتداء على عرضهما فجاز لهما دفع هذا الضرر بتحمل ضرر السفر وحدها وهو ضرر مضنون وليس هو مثل ضرر بقائهما في دار الكفر، اما في السفر إلى الحج فالضرر فيه محتمل تتحمله المرأة دون دفع أي ضرر أصلا([27]).
4-واحتج بعض الزيدية على أن ذلك خاص بالشابة دون العجوز بقولهم (ان العجوز لا تشتهى)([28]) وأجيب بان هذا لا ضابط له فلكل ساقطة لاقطة، وهو مراعاة للأمر النادر فالعجوز والشابة في المحرم سواء([29]).
القول الثالث: لا يشترط المحرم في حج المرأة، والى هذا ذهب الظاهرية([30]) والإمامية([31]).
الأدلة ومناقشتها:
1-قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)([32]).
وجه الدلالة: ان الحج فرض بنص الآية، فمتى كانت المرأة مستطيعة لزمها هذا السفر الواجب للحج دون اشتراط وجود المحرم أو الزوج. أما الأحاديث التي نهت المرأة عن السفر الا مع زوج أو ذي محرم، فهذه الأحاديث عامة لكل سفر، فيجب استثناء الأسفار الواجبة منه، والحج سفر واجب استثناؤه من جملة النهي عن سفر المرأة بدون محرم([33]).
وقد أجيب عن هذا الاستدلال: إن أحاديث نهي المرأة عن السفر بدون المحرم لا تعارض الآية الكريمة لأنها بينت أن وجود المحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج. وقد يقول قائل ان السنة النبوية بينت ان الاستطاعة تكون بملك الزاد والراحلة دون اشتراط المحرم، وعندها نقول ان الأحاديث تضمنت اشتراط المحرم مع اشتراط الزاد والراحلة وهذه زيادة غير منافية فيتعين قبولهما([34]).
2-حديث عدي بن حاتم([35])t الذي استدل به أصحاب القول الثاني:
وجه الدلالة: إقرأ ذلك في أدلة القول الثاني والرد عليه.
3-حديث ابن عباس y قال: سمعت النبي e يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة الا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة الا مع ذي محرم فقال رجل يا رسول الله أنَّ امرأتي خرجت حاجة واني اكتتبت في كذا كذا قال انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه([36]).
وجه الدلالة: ذكر ابن حزم الذي استدل بهذا الحديث قوله: (لان نهيه عليه الصلاة والسلام من أن تسافر امرأة الا مع ذي محرم –وقع- أي وقع سفر المرأة بدونه. ثم سال الرجل عن امرأته التي خرجت حاجة لامع ذي محرم أو زوج، فأمره النبي e بان ينطلق فيحج معها- ولم يأمره بردها، ولا يجب سفرها إلى الحج دونه ودون ذي محرم)([37]).
وقد أجيب عن هذا الاستدلال: بأنه لو لم يكن وجود المحرم شرطا في حج المرأة لما أمره النبي e بلحوقها واصطحابها وترك الجهاد والغزو([38]).
الرأي الراجح:
وبعد هذا العرض للأدلة ومناقشتها تبين لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول: وهو أن وجود المحرم شرط للوجوب فلا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد المحرم، لكن نستطيع القول ان المرأة إذا حجت بوجود الرفقة المأمونة وأمنت على نفسها صح الحج منها([39]). وان لم يجب عليها اقتداء بأمهات المؤمنين وقياسا على الجمعة إذا صلتها المرأة صحت وان لم تكن واجبة عليها كما هو عند جماهير العلماء. والله اعلم
([1]) ينظر لسان العرب مادة (حرم) 3/139.
([3]) ينظر الاختيار 1/140، القوانين الفقهية ص128، مغني المحتاج 1/497، المغني 3/98.
([4]) التمهيد لابن عبد البر 21/50، المحلى 7/47.
([6]) بدائع الصنائع 2/123، المبسوط 4/110، الهداية 1/146، شرح فتح القدير 2/419، الاختيار 1/140.
([7]) المغني 3/97، المبدع 3/99، الإنصاف للمرداوي 3/410، الفروع 3/175.
([8]) البخاري/ كتاب الجهاد/ باب من اكتتب في جيش../رقم الحديث (2784)، مسلم/ كتاب الحج/ باب سفر المرأة مع محرم/ رقم الحديث (2391).
([10]) احمد/ كتاب باقي مسند المكثرين/ باب مسند أبي سعيد الخدري/ رقم (10864).
([11]) سورة ال عمران: الاية/ 97.
([12]) ينظر المحلى 7/47، نيل الاوطار 5/18.
([13]) الدارقطني/ كتاب الحج 2/222/ رقم الحديث (30) قال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث (ورواه عبد الرزاق ايضا عن جريج عن عمرو اخبرني عكرمة أو أبو معبد عن ابن عباس قلت والمحفوظ في هذا مرسل عكرمة….) وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانه حديث الباب من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ (لا تحجن امراة الا ومعها ذو محرم) فتح الباري 4/75-76، وانظر نيل الاوطار 5/17.
([14]) التمهيد 21/51، المغني 3/97، المحلى 7/47.
([15]) التمهيد 21/51، بداية المجتهد 1/235، شرح الزرقاني 2/534، حاشية الدسوقي 2/9-10.
([16]) الايضاح ص97، مغني المحتاج 1/467، فتح المعين ص60، كفاية الطالبين ص53.
([17]) السيل الجرار 2/161، نيل الاوطار 5/16، سبل السلام 2/183.
([19]) البخاري/ كتاب المناقب/ باب علامات النبوة في الاسلام/ رقم الحديث (3328).
([20]) الامام احمد/ كتاب اول سند الكوفيين/ باب بقية حديث عدي/ رقم (3328).
([21]) ينظر فتح الباري 4/76، نيل الاوطار 5/16، المفصل 2/168.
([24]) البخاري/ كتاب الحج/ باب حج النساء/ رقم (1727).
([26]) المجموع 7/66، المغني 3/98، نيل الاوطار 5/17، سبل السلام 2/183.
([28]) نيل الاوطار 5/17، سبل السلام 2/183.
([32]) سورة ال عمران: الاية/ 97.
([33]) ينظر المحلى 7/47، نيل الاوطار 5/18.
([34]) ينظر نيل الاوطار 5/18، المفصل في احكام المرأة 2/170.
([35]) سبق تخريجه في أدلة القول الثاني.
([36]) سبق تخريجه في أدلة القول الاول.