حج الضرورة

0
55

الضرورة ونيابته عن غيره في الحج

تعريف الضرورة: عرف العلماء الضرورة (من لم يحج عن نفسه حجة الإسلام)(4).

وقد اختلف العلماء في نيابة الصرورة عن غيره إلى عدة أقوال:

القول الأول: لا تجوز نيابة من لم يؤد حجة الإسلام، فان ناب عن غيره لم تصلح النيابة وانقلب الحج عن نفسه.

وممن قال بهذا الاوزاعي وإسحاق بن راهويه([1]) وهو مذهب الشافعية([2])ومذهب الحنابلة([3])وهو قول الناصر من الزيدية([4]).

أدلة هذا القول: استدل أصحاب هذا القول لمذهبهم بأدلة منها:

1-حديث ابن عباس y إن النبي e سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال: (من شبرمة) قال أخ لي أو قريب لي قال: (حججت عن نفسك) قال: لا، قال: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)([5]).

وجه الدلالة: قالوا ظاهر الحديث انه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وسواء أكان مستطيعا أو غير مستطيع لان النبي e لم يستفصل هذا الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة، وهو ينزل منزلة العموم([6]).

وقد اعترض على هذا الاستدلال بقولهم إنَّ هذا الحديث جاء على سبيل التعليم للكيفية في تلبية الشخص عن غيره لهذا أشار النبي e بان يبدأ الحج عن نفسه ثم عن غيره([7]) وللإجابة عن هذا الاعتراض يمكننا أن نقول أن هذا الاعتراض في غير محله فليس في الحديث تعرض للكيفية لا من قريب ولا بعيد فلا مسوغ لهذا الاعتراض.

وهناك اعتراض ثان مفاده أن الحديث ورد بألفاظ عدة وهذه الألفاظ فيها تعارض فقد روي بلفظ (انه سمع رجلا يلبي عن نبيشه، فقال: من نبيشة؟ فقال: صديق لي فقال: إذا حججت عن نبيشة فحج عن نفسك)([8]).

وقد أجاب الشوكاني عن هذا الاعتراض بقوله (زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه….) وقال أيضا تعليقا على هذا الحديث (ولكن الحديث الذي استدل لهم به صاحب البحر لا ادري من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي الاعتماد على حديث الباب)([9]).

2-حديث عبد الله بن عباس y قال: قال رسول الله e : (لا صرورة في الإسلام)([10]).

وجه الاستدلال: قال النووي (الصرورة) بفتح الصاد المهملة وهو الذي لم يحج حجة الإسلام([11])، وقال: أيضا تعليقا على الحديث (لا صرورة في الإسلام) قال العلماء لا يبقى احد في الإسلام بلا حج ولا يحل لمستطيعه تركه([12])، ولأصحاب القول الثاني ان يعترضوا على الاستدلال بهذا الدليل لأنه ورد في معنى الصرورة معنيان المعنى الأول ما ذكره أصحاب القول الأول والمعنى الثاني (انه يقال لمن لم يتزوج صرورة لأنه صر بنفسه عن اخراجها في النكاح)([13]) فالمعنى المراد من الحديث محتمل الوجهين فيبطل به الاستدلال حينئذ (لان الدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الاستدلال)([14]).

القول الثاني: تصح نيابة من لم يحج عن نفسه.

وبه قال الثوري عند عدم القدرة على الحج عن نفسه([15])والحسن البصري وابراهيم النخعي وايوب السختياني([16]) وهو مذهب الحنفية([17]) والمالكية لكنه مع الكراهة([18])وروي عن الإمام احمد([19])وهو قول الهادي والقاسم من الزيدية([20])وهو مذهب الظاهرية([21]).

أدلة أصحاب هذا القول: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:

1-حديث الخثعمية الذي رواه البخاري وفيه (فقالت إن فريضة الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة افاحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع)([22]).

وجه الدلالة: ان الحديث دل على جواز النيابة عن الغير دون ذكر ما إذا كان النائب قد حج عن نفسه أو لا لان النبي e أجاب السائلة بالإثبات دون الاستفسار هل حجت عن نفسها أو لا ولو كان الحكم يختلف لاستفسر([23])فالحديث إذا دليل على الجواز والله اعلم.

وقد يجاب عن هذا بان حديث الخثعمية مجمل وحديث شبرمة مبين فيحمل المجمل على المبين فيكون المعنى أنّ المسلم يحق له النيابة عن الغير بعد الحج عن نفسه والله اعلم.

2-واستدلوا بالمعقول: فقالوا: (بان الحج مما تدخله النيابة فجاز أن يؤديه عن غيره من لم يسقط فرضه عن نفسه كالزكاة)([24]) والمعنى أن الحج تداخله النيابة فهو كالزكاة فكما يجوز له أن يدفع زكاة غيره قبل أن يدفع زكاة نفسه جاز له الحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه والله اعلم.

وقد اعترض عن هذا الاستدلال بأنه قياس مع الفارق قال ابن قدامة: (ويفارق الزكاة فانه يجوز أن ينوب عن الغير وقد بقي عليه بعضها، وهاهنا لا يجوز أن يحج عن الغير من شرع في الحج قبل إتمامه ولا يطوف عن غيره من لم يطف عن نفسه…)([25]).

القول الثالث: لا تجوز نيابة من لم يحج عن نفسه فان فعل بطل الحج عنهما.

روي هذا القول عن ابن عباس y ([26]) وهو رواية عن الحنابلة([27]).اختارها أبو بكر عبد العزيز([28])وهو مذهب الإمامية([29]).

أدلة أصحاب هذا القول: لم أجد دليلا نقليا يؤيد ما ذهبوا إليه سوى استدلالهم بالمعقول فقالوا: (يقع الحج باطلا ولا يصح ذلك عنه ولا عن غيره، لأنه مما كان من شرط طواف الزيارة تعيين النية فمتى نواه لغيره ولم ينو لنفسه لم يقع عن نفسه…)([30]).

الرأي الراجح:

وبعد عرض الأدلة ومناقشتها تبين لي رجحان القول القائل بعدم جواز النيابة ممن لم يحج عن نفسه. ولكني أرى وجاهة في رأي الإمام الثوري الذي يقول بصحة النيابة ممن لم يقدر على الحج لنفسه. وذلك للأمور الآتية:

أ-لان ذمته غير مشغولة فهو غير مكلف بالحج يقول الله تبارك وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)([31]). أما الحديث سابق الذكر (حج عن نفسك ثم عن شبرمة) فالذي أراه انه كان قادرا على الحج لنفسه وتطوع عن شبرمة فأمره النبي e بالحج عن نفسه ثم يحج عن شبرمة وهذا تأويل قابل للرد.

ب-ان قلنا بعدم الجواز مطلقا فهذا يؤدي إلى حرمان النائب من الأجر الذي يجنيه لو انه حج عن غيره فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e : (من حج عن ميت فللذي حج عنه مثل اجره….)([32]) وبعد هذا ومن باب التيسير أرى عدم إهمال رأي الإمام الثوري وأخذه بعين الاعتبارلاسيماإذا نظرنا إلى مكانته العلمية بين الفقهاء والله اعلم.

(4) المجموع 7/84، الاختيار 1/171.

([1]) ينظر المغني 3/103.

([2]) الام 2/123، المهذب 1/199، المجموع 7/84، حلية العلماء 3/208، الوسيط 2/588.

([3]) المغني 3/103، المبدع 3/103، الفروع 3/196، كشاف القناع 2/396، الإنصاف 3/416، الكافي 1/387.

([4]) نيل الاوطار 5/19، سبل السلام 2/184.

([5]) أبو داود- كتاب المناسك- باب الرجل يحج عن نفسه- رقم الحديث (1546) واللفظ له- ورواه ابن ماجة- كتاب الحج- برقم (2894) وفيه (هل حججت قط) واسناده صحيح ينظر عون المعبود 5/174.

([6]) عون المعبود شرح سنن أبي داود 5/174، نيل الاوطار 5/19.

([7]) ينظر المبسوط 4/151.

([8]) المبسوط 4/151، وينظر نيل الاوطار 5/19.

([9]) نيل الاوطار 5/19، وينظر المجموع 7/85.

([10]) أبو داود/ كتاب المناسك/ باب لا صرورة في الاسلام/ رقم (1729).

([11]) المجموع 7/80.

([12]) المصدر السابق 7/80.

([13]) المجموع 7/85.

([14]) ينظر القواعد والفوائد الاصولية لابن لحام ص234.

([15]) التمهيد لابن عبد البر 9/136، حلية العلماء 3/208.

([16]) المغني3/103.

([17]) حاشية ابن عابدين 2/103، المبسوط للسرخسي 4/151، بدائع الصنائع 2/213.

([18]) المدونة الكبرى 2/491، التمهيد 9/136، حاشية الدسوقي 2/18، القوانين الفقهية ص87.

([19]) المغني 3/103، المبدع 3/103، الإنصاف 3/416.

([20]) نيل الاوطار 5/19.

([21]) المحلى 7/58.

([22]) البخاري- كتاب الحج- باب حج المرأة عن الرجل/ رقم (1722) ومسلم- كتاب الحج- باب الحج عن العاجز رقم (2376).

([23]) ينظر بدائع الصنائع 2/213، الاختيار 1/170.

([24]) المغني 3/103.

([25]) المصدر السابق.

([26]) المغني 3/103.

([27]) المصدر السابق.

([28]) هو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن احمد بن بزداد، المعروف بغلام الخلال، كان احد أهل العلم موثوقا به توفي سنة (363هـ) انظر طبقات الحنابلة 2/119.

([29]) شرائع الإسلام 1/232.

([30]) المغني 3/103.

([31]) سورة ال عمران: الاية/ 97.

([32]) مجمع الزوائد- باب فيمن مات وعليه حج- 3/282 وقال عنه رواه الطبراني في الاوسط وفيه علي بن يزيد بن بهرام ولم اجد من ترجم له وبقية رجاله ثقات.