حكم التنشيف من آثار الوضوء

0
240
مسألة: التنشيف من آثار الوضوء 

اختلف الفقهاء في مشروعية تنشيف الأعضاء من البلل بعد الوضوء الى مذهبين:

المذهب الأول: ذهبوا إلى عدم كراهة التنشيف في الوضوء ؛ وهو المذهب الذي رجحه الإمام المباركفوري بقوله:(( والقول الراجح عندي هو قول من قال بجواز التنشيف. والله تعالى أعلم))([1]).

وبه قال: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابناه الحسن والحسين ، وأنس بن مالك، وابن عمر، وعبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، و جابر بن عبد الله، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والحسن البصري، وإسحاق، وابن سيرين، وموسى بن طلحة، وسالم بن أبي الجعد، والمزني، وجابر بن زيد، والضحاك، وعبد الله بن الحارث، وميمون بن مهران، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، والحكم، وحماد، ومحمد بن المكندر، والزهري، وحميد الطويل، وسفيان الثوري والاوزاعي y([2]).

وإليه ذهب: الحنفية([3])، والمالكية([4])، والشافعية في المشهور مع قولهم بأن المستحب تركه([5])، والحنابلة في أصح القولين([6])، والظاهرية([7])، والإمامية في قول([8]).

المذهب الثاني: ذهبوا الى كراهة التنشيف.

وبه قال: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن عباس، وإبن عمر، وجابر بن عبد الله ، وسعيد بن جبير، و سعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، ومسلم بن يسار، والحكم، وقتادة، والزهري، وإبراهيم النخعي، وعطاء، ومجاهد، وأبو العالية، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والحسن بن حيي، والإمام يحيى y([9]).

وإليه ذهب: الشافعية في قول([10])، والحنابلة في قول([11])، والزيدية([12])، والإباضية([13])، والإمامية في أصح القولين([14]).

الأدلة ومناقشتها 

أدلة المذهب الأول:

1 ـ عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت:( قام رسول الله r إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به)([15]).

وجه الدلالة: إنَّ هذا الحديث يدل بظاهره على جواز التنشيف([16]).

ويمكن أن يجاب من وجهين:

الأول: إنَّ هذا الحديث ذكر فيه انه r التحف بثوب ولم يلتحف بمنديل خاص بالتنشيف.

الثاني: إنَّ هذا الحديث لم يذكر فيه القصد من الالتحاف وهل كان القصد التنشيف أم الستر؟.

2 ـ عن قيس بن سعد قال: (أتانا النبي r فوضعنا له غسلاً فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه …)([17]).

وجه الدلالة: إنَّ هذا الحديث يدل على عدم كراهة التنشيف([18]).

واعترض: بأنَّ إسناده مختلف فهو ضعيف([19]).

واعترض الإمام المباركفوري بقوله:(( قلت في الاستدلال بهذين الحديثين على جواز التنشيف بعد الوضوء تأمل كما لا يخفى على المتأمل))([20]).

3 ـ عن عائشةt قالت:( كان لرسول الله r خرقة ينشف بها بعد الوضوء)([21]).

وجه الدلالة: إنَّ هذا الحديث فيه دليل على جواز التنشيف بعد الوضوء([22]).

واعترض: بأنَّ في إسناده أبو معاذ وهو ضعيف؛ قال الترمذي:((أبو معاذ يقولون هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث))([23]).

4 ـ عن معاذ بن جبلt قال:( رأيت النبي r إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه)([24]).

واعترض: بأنه حديث ضعيف أيضاً؛ وقد ضعفه الترمذي، والحافظ ابن حجر([25]).

أدلة المذهب الثاني:

1 ـ عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث t:( أنَّ النبي r اغتسل؛ قالت:( ثم أتيته بالمنديل فرده)([26])، وفي لفظ:( أُتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا يعني ينفضه)([27]).

وجه الدلالة: إن هذا الحديث يدل على كراهة التنشيف بعد الغسل فيثبت به كراهته بعد الوضوء أيضا([28]).

2 ـ  عن أنس t 🙁 أنَّ رسول الله r لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود)([29]).

واعترض عليه من وجهين:

الأول: إنَّه حديث ضعيف؛ وفي إسناده سعيد بن ميسرة البكري؛ قال البخاري عنه: ((منكر الحديث))؛ وقال ابن حبان: ((يروي الموضوعات))([30]).

الثاني: إنه على فرض صحته فليس فيه نهيه r عن التنشيف؛ وغاية ما فيه أن أنساً t لم يره r وإنما هو إخبار عن عدم رؤيته وهو غير مستلزم للنهي([31]).

ويمكن ان يجاب: بأن هذا الاعتراض غير مسلَّم فيه ؛ لأن الحديث ذكر لأجل إثبات التنشيف أو عدمه.

3 ـ لأنَّ ماء الوضوء نور يوم القيامة([32]).

4 ـ لأنَّه أثر عبادة لا يستحب إزالته([33]).

الترجيح 

بعد الإطلاع على المذاهب في بيان حكم التنشيف من آثار الوضوء وعرض أدلتهم فيما ذهبوا إليه، فاني أميل إلى ترجيح المذهب الثاني القائل: بأن التنشيف مكروه ؛ لخبر أمنا ميمونة بنت الحارث t:( أنَّ النبي r اغتسل ثم أتيته بالمنديل فرده) وقد جاء أيضا بلفظ:(أُتي r بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا يعني ينفضه) وجاء فيه أنه يدل على كراهة التنشيف بعد الغسل فيثبت به كراهته بعد الوضوء أيضا.

([1]) تحفة الاحوذي: 1/147.

([2]) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: 1/391 ، شرح السنة: 2/15 ، المغني: 1/95 ، المجموع: 1/522 ـ523 ، شرح مسلم للنووي: 3/231 ، الشرح الكبير: 1/146 ، تبيين الحقائق: 1/7 ، شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي: 1/382 ، فتح الباري شرح صحيح البخاري، لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن احمد البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب (736 – 795هـ) تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار ابن الجوزي – السعودية، ط2 (1422هـ): 1/326 ، شرح سنن أبي داود للعيني: 1/547 ، عمدة القاري: 3/195 ، نيل الاوطار: 1/221 ، عون المعبود: 1/287 ، تحفة الاحوذي: 1/146.

([3]) ينظر: المبسوط للشيباني: 1/53 ، تبيين الحقائق: 1/7 ، البحر الرائق: 1/54 ، الفتاوى الهندية: 1/9 ، حاشية الطحطاوي: 1/51 ، حاشية ابن عابدين: 1/141.

([4]) ينظر: المدونة الكبرى: 1/17 ، التاج والإكليل: 1/266 ، حاشية الدسوقي: 1/104 ، منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل، لمحمد بن أحمد بن محمد عليش (1217 – 1299هـ)، دار الفكر – بيروت – (1409هـ – 1989م): 1/96.

([5]) وفي قول عند الشافعية: أن التنشيف مستحب، وفي قول: أنه مكروه في الصيف مباح في الشتاء ؛ينظر: كفاية الأخيار: 1/30 ـ 31 ، المجموع: 1/522 ، شرح مسلم للنووي: 3/231 ، فتح الباري: 1/363 ، مغني المحتاج: 1/61.

([6]) ينظر: ناسخ الحديث ومنسوخه: 1/150 ، المغني: 1/95 ، الكافي في فقه ابن حنبل: 1/34 ، الشرح الكبير: 1/146 ، الإنصاف: 1/166 ، كشاف القناع: 1/106 ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، لمصطفى السيوطي الرحيباني (1165هـ ـ 1243هـ) المكتب الإسلامي ـ دمشق(1961م): 1/122.

([7]) ينظر: المحلى: 2/47.

([8]) ينظر: الخلاف: 1/97.

([9]) ينظر: ناسخ الحديث ومنسوخه: 1/145 ـ146 ، شرح صحيح البخاري لابن بطال: 1/391 ، شرح السنة: 2/14 ، المغني 1/196، المجموع: 1/523 ، شرح مسلم للنووي: 3/231 ، الشرح الكبير: 1/146 ، فتح الباري لابن رجب: 1/327 ، شرح سنن أبي داود للعيني: 1/547 ، عمدة القاري: 3/195 ، شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي: 1/382 ، نيل الاوطار: 1/221 ، عون المعبود: 1/287 ، تحفة الاحوذي: 1/247.

([10]) ينظر: كفاية الأخيار: 1/31 ، المهذب: 1/19 ، المجموع: 1/522 ، شرح مسلم للنووي: 3/231 ، فتح الباري لابن حجر: 1/363 ، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، لشيخ الإسلام زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي المصري الشافعي (823 – 926هـ) تحقيق: د. محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1( 1422هـ – 2000م) : 1/42 ، الإقناع للشربيني: 1/51 ، مغني المحتاج: 1/61 ، إعانة الطالبين: 1/54.

([11]) ينظر: الكافي في فقه ابن حنبل: 1/34 ، الشرح الكبير: 1/146 ، الإنصاف: 1/166 ، كشاف القناع: 1/106.

([12]) ينظر: البحر الزخار: 2/78.

([13]) ينظر: شرح النيل وشفاء العليل: 1/112.

([14]) ينظر: من لا يحضره الفقيه، للشيخ أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه ألقمي الصدوق (ت381) صححه وعلق عليه: على اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ  قم ، ط2 : 1/137 ، الخلاف: 1/97 ، شرائع الإسلام 1/20.

([15]) أخرجه مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب تستر المغتسل بثوب ونحوه، برقم(336): 1/265.

([16]) ينظر: عمدة القاري: 3/195 ، تحفة الاحوذي: 1/146.

([17]) أخرجه احمد ـ باقي مسند الأنصار ـ حديث قيس بن سعد بن عبادة t ، برقم(23895): 6/6 ، إبن ماجه ـ كتاب اللباس ـ باب الصفرة للرجال، برقم(3604): 2/1192 ، أبو داود ـ كتاب الأدب ـ باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان، برقم (5187): 4/511 ، البيهقي ـ كتاب الطهارة ـ باب التمسح بالمنديل، برقم(843): 1/186 ، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط:(( إسناده ضعيف)).

([18]) ينظر: نيل الاوطار: 1/221.

([19]) ينظر: المجموع: 520 ، التلخيص الحبير: 1/295.

([20]) تحفة الاحوذي: 1/146.

([21]) أخرجه الترمذي ـ أبواب الطهارة ـ باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء، برقم(53): 1/74 ، وقال عنه:(( حديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح عن النبي e في هذا الباب شيء ))، الحاكم في المستدرك ـ كتاب الطهارة ، برقم(550): 1/256 .

([22]) ينظر: تحفة الاحوذي: 1/144.

([23]) سنن الترمذي: 1/74 ، ينظر: نيل الاوطار: 1/221 ، تحفة الاحوذي: 1/144.

([24]) أخرجه الترمذي ـ أبواب الطهارة ـ باب ما جاء في التمندل بعد الوضوء، برقم(54): 1/75 ، وقال عنه:(( هذا حديث غريب وإسناده ضعيف ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في هذا الحديث)) ، البيهقي في السنن الكبرى ـ كتاب الطهارة ـ باب طهارة الماء المستعمل، برقم(1055): 1/236.

([25]) ينظر: سنن الترمذي: 1/75 ، المجموع: 520 ، التلخيص الحبير: 1/295 ، نيل الأوطار: 1/221.

([26]) متفق عليه: البخاري ـ كتاب الغسل ـ باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة، برقم(256): 1/102 ، مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب صفة غسل الجنابة، برقم(317): 1/254.

([27]) أخرجه مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب صفة غسل الجنابة، برقم(317): 1/254.

([28]) تحفة الاحوذي: 1/147.

([29]) أخرجه إبن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه: ص145 ، ينظر: تحفة الأحوذي: 1/147.

([30]) ينظر: التلخيص الحبير: 1/294 ، نيل الاوطار: 1/221 ، عون المعبود: 1/287 ، تحفة الاحوذي: 1/147.

([31]) ينظر: عون المعبود: 1/287.

([32]) ينظر: تحفة الأحوذي: 1/146.

([33]) ينظر: المهذب: 1/19 ، المجموع: 1/519 ، الاقناع للشربيني: 1/51 ، مغني المحتاج: 1/61 ، إعانة الطالبين 1/54 ، تحفة الأحوذي: 1/146.