صفة صلاة الكسوف

0
147

 صلاة الكسوف سنة مؤكدة بأتفاق العلماء،([1]) ثبتت مشروعيتها بالسنة، ومن ذلك حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول اللهr:(( إن الشمس والقمر ايتان من ايات الله لا تنخسفان لموت احد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فأدعوا الله، وكبروا، وتصدقوا)). وفي رواية مسلم:(( فافزعوا الى الصلاة)).([2])

وهذا ما عليه الحنفية،([3]) والمالكية،([4]) والشافعية،([5]) والحنابلة،([6]) والظاهرية.([7]) والزيدية([8])

ولكن اختلف الفقهاء في صفة صلاة الكسوف إلى مذهبين:

المذهب الأول: المستحب ان يصلى ركعتين، في كل ركعة قيامان وركوعان.

وهو الذي رجحه الامام المباركفوري حيث قال:(( المراد بالركعات الركوعات، أي يرون في كل ركعة ركوعين وسجدتين، وهو القول الراجح المعول عليه)).([9])

وبه قال: الليث بن سعد، وابو ثور، وجمهور اهل الحجاز.([10])

وهو قول الجمهور من المالكية.([11]) والشافعية.([12]) والحنابلة.([13])والزيدية.([14])

المذهب الثاني: إن صلاة الكسوف ركعتين كسائر النوافل، في كل ركعة ركوع واحد.

وبه قال: ابراهيم النخعي، وسفيان الثوري.([15])

واليه ذهب الحنفية.([16]) والامامية.([17])

الأدلة ومناقشتها

أدلة المذهب الأول:

استدل اصحاب المذهب الاول القائلون بأن صلاة الكسوف قيامان وركوعان، بعدة ادلة نقلية، منها:

1- عن أبن عباسt قال:(( كُسِفت الشمسُ على عهد رسول اللهr، فصلى الرسولr والناس معه، فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم قام قياما

طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا)).([18])

وجه الدلالة:

يدل الحديث دلالة واضحة على صفة صلاة الكسوف؛ وهو قيامان وركوعان في الركعة الواحدة، وهذا من فعلهr، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

2- وعن عائشة: ان النبيr(( جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى اربع ركعات في ركعتين، واربع سجدات)).([19])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على ان صلاة الكسوف اربع ركعات واربع سجدات في الركعتين. كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

أدلة المذهب الثاني

   أستدل اصحاب المذهب الثاني القائلون بان صلاة الكسوف ركعتين، في كل ركعة  ركوع الواحد، كصلاة النوافل، بحديث ابي بكرةt قال:(( خسفت الشمس على عهد رسول اللهr فخرج يجر رداءه؛ حتى انتهى الى المسجد، وناب الناس اليه، فصلى بهم ركعتين)).

وفي رواية النسائي:(( مثل ما تصلون)).

وفي رواية ابن حبان:(( نحو ما تصلون بها صلاتكم)).([20])

وجه الدلالة:

إن صلاة الرسولr ركعتين، ولم يذكر فيها شي من الركوع، فتحمل على الصلاة المعهودة وهو كالصلوات العادية كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

ويمكن ان يجاب عن الادلة بمجموعها:

هذه الادلة ليس فيها ما يدل على نفي الركوعين في الركعة الواحدة، وانما جاءت مطلقة عن تقيد أي صفة لصلاة الكسوف، وقد جاءت الروايات الصريحة الصحيحة لتظهر الصفة المطلوبة من صلاة الكسوف. ويكون المراد من رواية النسائي:(( مثل ما تصلون))؛ أي مثل ما تصلون في صلاة الكسوف، يؤيد هذا ما قاله ابو حاتم عن رواية ابن حبان حيث قال: قول ابي بكرة:(( فصلى بهم ركعتين نحو ما تصلون))، اراد به تصلون صلاة الكسوف ركعتين في اربع ركعات واربع سجدات.([21])

 الترجيح

   وبعد العرض للاقوال وادلتها، واجراء المناقشة لها، فالرأي الراجح هو القول الاول ان يصلى ركعتين، في كل ركعة قيامان وركوعان، وذلك للاسباب الاتيه:

1- ان الادلة التي استند عليها اصحاب المذهب الاول صحيحة وصريحة في تعيين صفة صلاة الكسوف.

2- ان ادلة المذهب الثاني عامة، خصصت صفة الصلاة فيها ادلة المذهب الاول.

3- ان ادلة المذهب الثاني ليس فيها تخصيص لصفة محددة، او نفيها.

4- ان ادلة المذهب الاول فيها زيادة عن ادلة المذهب الثاني، والزيادة مقدمة.

([1]) الفقه الاسلامي وأدلته 2/545.

([2]) اخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الكسوف- باب الصدقة في الكسوف، رقم الحديث 1044- 2/42.

واخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة- باب صلاة الكسوف، رقم الحديث 2129- 3/28.

([3]) ينظر: حاشية رد المحتار 2/181.

([4]) ينظر: الكافي في فقه اهل المدينة 1/265.

([5]) ينظر: المجموع 5/43.

([6]) ينظر: الانصاف 2/310.

([7]) ينظر: المحلى 5/95.

([8]) ينظر: السيل الجرار 1/197.

([9]) تحفة الاحوذي 3/116.

([10]) الاستذكار لابن عبد البر : 2/412.

([11]) ينظر : التاج والاكليل 2/302 ، الفواكه الدواني للنفراوي 2/654 ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، لمحمد بن احمد الدسوقي (ت1330هـ) تحقيق : محمد عليش ، دار الفكر –  بيروت: 4/65.

([12]) ينظر : فتح العزيز شرح الوجيز ، للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623 ه‍) دار الفكر :5/69 ، المجموع شرح المهذب للنووي : 5/47 ، أسنى المطالب في شرح روض الطالب ، لزكريا الأنصاري : 1/285 ، حاشية الجمل لابن عمر الجمل : 6/274 .

([13]) ينظر : المحرر في الفقه لابي البركات : 1/172 ، الانصاف للمرداوي : 2/313 ، الروض المربع شرح زاد المستنقع للبهوتي : 1/116.

([14]) ينظر: السيل الجرار 1/197.

([15]) ينظر : نيل الاوطار للشوكاني : 4/14.

([16]) ينظر : الحجة على اهل المدينة لمحمد بن الحسن : 1/318 ـ319 ، المبسوط ، لمحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني ابو عبد الله (ت 189هـ) تحقيق: أبو الوفا الأفغاني ، دار القرآن والعلوم الإسلامية ـ كراتشي : 1/443 ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي : 3/126 ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم : 2/180.

([17]) ينظر: من لا يحضره الفقيه، لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، ت 381هـ، تحقيق: علي اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في حوزة قم- ايران، 3/97. ومسائل الناصريات، لعلي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى، ت 436هـ, تحقيق: مركز البحوث العلمية- ايران، 1/458.

([18]) اخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي- باب لا تنكسف الشمس بموت احد، رقم الحديث 1058- 2/48.

([19]) اخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي- باب الجهر بالقراءة في الكسوف، رقم الحديث 1065- 2/49. واخرجه مسلم، كتاب الصلاة- باب صلاة الكسوف، رقم الحديث 1231- 3/29.

([20]) اخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي- باب الصلاة في كسوف القمر، رقم الحديث 1062- 2/49.

واخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب الصلاة- باب عدد صلاة الكسوف، رقم الحديث505-1/275.

واخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة- باب ذكر البيان بان هذه اللفظة (فادعوا) اراد بها فصلوا على حسب ما ذكرناه، رقم الحديث2835- 6/76.

([21]) ينظر : صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، لمحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي ابو حاتم الدارمي البستي (ت354هـ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط : 7/76.