كيفية الجلوس في التشهدين

0
83

الجلوس في التشهد الاخير ركن من اركان الصلاة، وفي التشهد الاول سنة، وهذا ما عليه جماهير العلماء، من الحنفية، الا انهم قالوا التشهد الاول واجب.([1]) والمالكية.([2]) والشافعية.([3]) والحنابلة الذين قالوا بأن الجلوس في التشهد الاول واجب كالحنفية.([4]) والزيدية قالوا: ان التشهد الاول والاخير واجبان،([5]) ولم يذكروا الجلوس، فيكون مرادهم الجلوس ايضاً، لان الجلوس ملازم للتشهد؛ فيكون واجبا مثله.

ولكنهم اختلفوا في هيئة الجلوس الى ثلاثة مذاهب:

المذهب الاول: يكون الجلوس في التشهد الاول على هيئة الافتراش،([6]) وفي التشهد الاخير على هيئة التورك.([7])

وهذا ما رجحه الامام المباركفوري حيث قال:(( والحاصل انه ليس من نص صريح فيما ذهب اليه مالك ومن معه، ولا فيما ذهب اليه ابو حنيفة ومن معه، واما ماذهب اليه الشافعي ومن معه ففيه نص صريح، فهو المذهب الراجح)).([8])

واليه ذهب الشافعية،([9]) والحنابلة، إلا انهم قالوا: لا يسن التورك الا في صلاة فيها تشهدان.([10])

المذهب الثاني: يكون الجلوس في التشهد الاول والاخير على هيئة الافتراش.

واليه ذهب الحنفية،([11]) والزيدية.([12])

المذهب الثالث: يكون الجلوس في التشهد الاول والاخير على هيئة التورك.

واليه ذهب المالكية.([13]) والامامية.([14])

الادلة ومناقشتها

أدلة المذهب الاول:

استدل اصحاب المذهب الاول القائلون بأن الجلوس في التشهد الاول على هيئة الافتراش، وفي التشهد الاخير على هيئة التورك، بأدلة نقلية وعقلية، فمما استدلوا به من الادلة النقلية: حديث ابي حميد الساعدي:(( انا كنت احفظكم لصلاة رسول اللهr، كان اذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، واذا امكن يديه من ركبته ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار في مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل باطراف اصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، واذا جلس في الركعة الاخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى وقعد على مقعدته)).([15])

وجه الدلالة:

يدل هذا الحديث على التفرقة بين الجلسة للاولى للتشهد، والجلسة الثانية، حيث يكون في الاولى الافتراش، ويكون في الثانية التورك، وهذا ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

قال الشافعي:(( حديث ابي حميد صريح في الفرق بين التشهدين وباقي الاحاديث مطلقة فيجب حملها على موافقته، فانه من روى التورك اراد به الجلوس في التشهد الاخير، ومن روى الافتراش اراد به الجلوس في التشهد الاول)).([16])

ومما استدلوا به من المعقول:

بأن:(( الحكمة في الافتراش في التشهد الاول والتورك في الثاني انه اقرب الى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولان السنة تخفيف التشهد الاول فيجلس مفترشا ليكون اسهل للقيام، والسنة تطويل الثاني؛ ولا قيام بعده فيجلس متوركا ليكون اعون له وامكن ليتوفر الدعاء، ولان المسبوق اذا رآه علم في أي التشهدين)).([17])

أدلة المذهب الثاني

   استدل اصحاب المذهب الثاني القائلين بالافتراش بعدة ادلة نقلية، منها:

1- عن وائل بن حجر قال:(( قدمت المدينة وقلت: لأنظرن الى صلاة رسول اللهr…..فلما جلس افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه ونصب رجله اليمنى)).([18])

وجه الدلالة:

جاء هذا الحديث من غير تقيد في التشهد؛ اهو الاول ام الاخير؟ حيث يدل على الافتراش في جميعها، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

2- واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها انها قالت:(( ان النبيr كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وينهى عن عقب الشيطان )).([19])

وجه الدلالة

كان الرسولr يلزم هيئة واحدة في التشهد الاول والثاني، وهو الافتراش، فلو كانت هنالك هيئة اخرى لذكرتها عائشة، ولم تذكر الافتراش فقط، وهذا مفهوم من الحديث.

ويجاب عن الحديثين السابقين:

بانهما محمولان عى التشهد الاوسط جمعا بين الادلة، لانهما مطلقان عن التقيد بأحد الجلوسين، وحديث ابي حميد مقيد، وحمل المطلق على المقيد واجب.([20])

3- واستدلوا بحديث ابي حميد الساعدي:(( ان النبيr جلس فأفترش رجله اليسرى، واقبل بصدر اليمنى على قبلته )).([21])

وجه الدلالة:

جاء حديث ابي حميد الساعدي من الافتراش في الجلوس للتشهد وهو كذلك غير مقيد لاحد التشهدين فيكون في جميعهما.

ويجاب عنه:

ان ما ذكره ابو حميد الساعدي في هذه الرواية يكون لجلسة التشهد الاول، بدليل حديثه الاخر، فأنه وصف الجلوس الاول بهذه الصفة، ثم ذكر بعدها هيئة الجلوس الاخر، فذكر فيها التورك، واقتصاره على بعض الحديث في هذه الرواية ليس بمناف لما ثبت عنه في الرواية الاخرى، ولاسيما هي ثابتة في صحيح البخاري، وربماكان الاقتصار لما تدعوا الحاجه اليه ثم جاء بالتمام في الروايه الاخرى.([22])

أدلة المذهب الثالث

 استدل اصحاب المذهب الثالث القائلون بالتورك بما رواه عبد الله بن الزبير عن ابيه:         ((كان رسول اللهr اذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذيه، وساقه وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واشار باصبعه)).([23])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على هيئة الجلوس في التشهد وهو التورك، كما بينه الحديث، وهو

مطلق في ذلك من غير تقيد في التشهد فيعمل على التشهدين.

ويمكن ان يجاب عنه:

 بان هذه الرواية محمولة على التشهد الاخير لانها جاءت مطلقة، من غير ذكر أي التشهدين هو، وقد جاءت رواية ابي حميد الساعدي فقيدت هيئة التشهد الاخير بالتورك، فلا وجه لقول المالكية بالتورك في التشهد الاول.

 الترجيح

وبعد العرض للاقوال وادلتها، واجراء المناقشة لها، ظهر بأن الرأي الراجح هو المذهب الاول القائل: بأن الجلوس في التشهد الاول على هيئة الافتراش، وفي التشهد الاخير على هيئة التورك، وذلك للاسباب الأتية:

1- ان ادلة اصحاب المذهب الاول فيها زيادة، والزيادة مقبولة اذا كانت صحيحة ولم تعارض ما هو اقوى منها، وفيها ايضا امكانية العمل بالطريقتين والجمع بين ادلة المذهب الثاني والثالث، فأعمال الدليلين اولى من اهمالهما.

2- ان ادلة اصحاب المذهب الاول اقوى من حيث السند والرواية من ادلة الاخرين.

3- امكانية تأويل ادلة المذهبين الثاني والثالث، لما فيها من الاحتمال والعموم. في حين ان ادلة المذهب الاول صريحة في هذا الشأن.

([1]) ينظر: تحفة الفقهاء 1/96- 97.

([2]) ينظر: حاشية الدسوقي 2/395- 40112/395- 4011.

([3]) ينظر: تحفة الحبيب 2/183.

([4]) ينظر: المبدع 1/444- 445.

([5]) ينظر: السيل الجرار 1/134.

([6]) الافتراش: هو أن ينصب قدمة اليمنى قائمة على اطراف الاصابع بحيث تكون متوجهة نحو القبلة، و يفرش رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الارض جالسا على بطنها. الموسوعة الكويتية 27/99.

([7]) التورك: أُختلف فيه؛ فقال بعضهم: وضع الورك في الصلاة على الارض. لسان العرب مادة( ورك) 10/509. وقال اخرون: التورك ان ينصب رجله اليمنى، ويضطجع اليسرى، ويخرجها عن وركه الايمن، ويفضي بمقعده الى الارض. الحاوي الكبير 2/305.

([8]) تحفة الاحوذي 2/155.                                         

([9]) ينظر: كفاية الاخيار 1/117، المهذب 1/71، الوسيط في المذهب : 2/145 ، روضة الطالبين 1/261. مغني المحتاج 2/384. حاشية الجمل 3/412.

([10]) ينظر: مسائل الامام احمد بن حنبل واسحاق بن راهوية 2/554. المغني 1/612. المبدع 1/420. دليل الطالب لنيل المطالب، لمرعي بن يبن يوسف الكرمي الحنبلي، ت1033هـ. تحقيق ابو قتيبة نظر محمد الفاريابي،1/38،  دار طيبة- الرياض- السعودية، ط1، س ط 1425هـ 2004م.

([11]) ينظر: تحفة الفقهاء 1/137. بدائع الصنائع 2/320. الهداية شرح البداية 1/52. الدر المختار في شرح تنوير الابصار، لعلاء الدين محمد بن علي الحصكفي، ت1088هـ، دار الفكر- بيروت، س ط1386هـ، 1/512.

([12]) ينظر: السيل الجرار 1/134، نيل الاوطار 2/206.

([13]) ينظر: الكافي في فقه اهل السنة 1/204. الفواكه الدواني 1/470. الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابي زيد القيرواني، لصالح بن عبد السميع الابي الازهري، ت335هـ, المكتبة الثقافية- بيروت، 1/118. وكفاية الطالب الرباني لرسالة ابي زيد القيرواني، لابي الحسن المالكي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر- بيروت، س ط 1412هـ، 1/343.

([14]) ينظر: المبسوط في فقه الامامية، لشيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ت460هـ، تصحيح: محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية-  ايران، س ط 1307هـ. 1/215.

([15]) اخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي- باب سنة الجلوس في التشهد، رقم الحديث 828- 1/210.

([16]) ينظر: المجموع للنووي 3/451.

([17]) المجموع للنووي 3/451.

([18]) اخرجه احمد في مسنده، رقم الحديث 18870- 4/316، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: اسناده صحيح رجاله ثقات. واخرجه ابو داود في سننه، كتاب الصلاة- باب كيف الجلوس في التشهد، رقم الحديث 958- 1/361. واخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة- باب كيف الجلوس في التشهد، رقم الحديث 292- 2/85، قال ابو عيسى: حديث حسن صحيح. واخرجه النسائي، كتاب الصلاة- باب صفة الجلوس في الركعة التي يقضي فيها الصلاة، رقم الحديث 1263- 3/34.

([19]) اخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة ومايفتح به ومايختم به، رقم الحديث 1138- 2/54.

([20]) ينظر: نيل الاوطار 2/307.

([21]) اخرجه ابوداود في سننه، كتاب الصلاة- باب ذكر التورك في الرابعه، رقم الحديث 968-1/365. واخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة- باب الجلوس في التشهد، رقم الحديث 293- 2/86، قال ابو عيسى :حديث حسن صحيح. واخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الصلاة- باب صفة الصلاة، رقم الحديث 187- 5/188، قال شعيب الارئاؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: رجاله ثقات رجال الشيخين. واخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة- باب كيفية الجلوس في التشهد، رقم الحديث 885- 2/128.

([22]) ينظر: نيل الاوطار2/307.

([23]) اخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة- باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، رقم الحديث 1335- 2/90.