مسألة استثناء بعض منافع المبيع

0
35
مسألة استثناء بعض منافع المبيع

منافع البيع وهل يمكن استثناء شيء منها

استثناء بعض منافع المبيع

 

اتفق الفقهاء على جواز استثناء الجزء المشاع من المبيع وعلى هذا : الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .

والمشاع : هو ما كان أجزاءً من عين متساوية فقد جاء في الشرح الكبير (وان استثنى جزءاً معلوماً من الصبرة أو الحائط مشاعاً كثلاث أو أربع أو أجزاء كثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء)(5).

استدل أصحاب هذا المذهب بحديث النبي (r ) أنه : (نهى عن الثنيا ألا أن تعلم) (6)، والجزء المشاع معلوم ، وما دام معلوماً فقد صح استثناؤه .

وجه الدلالة : هو نهي النبي (r) عن المستثنى إذا لم يعلم ولكن إذا علم جاز استثناؤه ، وصحة استثناء الجزء المشاع (مجمع عليها) (7) .

ولكن اختلفوا في قضية الاستثناء لبعض منافع المبيع على النحو الآتـي :-

المـذهـب الأول : جـواز استثناء المنفعة المؤقتة للمبيع وعلى هذا بعض المالكية (8) ، الحنابلة(9) ، وهو ترجيح ابن تيمية (10) .

المذهب الثاني : جواز استثناء ما يمكن فصله من المبيع إذا كان متصلاً به وعلى هذا بعض المالكية (1) ، والإمام أحمد (2) .

الترجيح : ويرجح الإمام ابن تيمية مذهب الإمام أحمد حيث يقول : (والقياس المستقيم في هذا الباب هو الذي عليه أصول أحمد من فقهاء الحديث) (3) ، ان اشتراط الزيادة على مطلق العقد واشتراط النقص جائز مالم يمنع منه الشرع ، فإذا كانت الزيادة في العينة أو المنفعة المعقود عليها ، والنقص من ذلك على ماذكرت فالزيادة في الملك المستحق بالعقد والنقص منه كذلك ، ويقول ابن تيمية أيضاً: (يجوز لكل من أخرج عيناً من ملكه بمعاوضة كالبيع والخلع أو أي تبرع من التبرعات كالوقف وغيره أو العتق أن يستثني بعض منافعها ، فان كان مما لا يصلح فيه الغرر كالبيع فلابد أن يكون المستثنى معلوماً لما روى البخاري من بيع جابر بعيره من النبي واشتراط حملانه إلى المدينة) (4) .

أدلة أصحاب المذهب الأول ومناقشتها : الذين ذهبوا إلى جواز استثناء المنفعة المؤقتة استدلوا بحديث جابر الصحيح (أنه كان يسير على جملٍ له قد أعيا ، فمر النبي (r) فضربه ، فدعا له فسار بسيرٍ ليس يسير مثله ، ثم قال : (بعنيه بوَقيَّةٍ) قلت : لا ، ثم قال : (بعنيه بوَقيَّةٍ) فبعته ، فاستثنيت حَملانه إلى أهلي ، فلما قدمنا أتيتهُ بالجمل ونقدني ثمنه ، ثم انصرفت ، فأرسل على أثري ، قال : (ما كنت لآخذ جملك ، فخذ جملك فهو مالك)) (5) .

 

وجه الدلالة : هو جواز استثناء منفعة الركوب بدليل أن النبي (r) لم يعترض عليه فدّل على الجواز .

 

أدلة أصحاب المذهب الثاني ومناقشتها : استثناء الجزء المتصل بالمبيع أجازه من المالكية (ابن حبيب) ، كالرأس واليد والرجل من الحيوان المستباح ذبحه ، ووجه قول ابن حبيب انه استثنى عضواً معيناً معلوماً فلم يضره ما عليه من الجلد أصله شراء الحب في سنبله والجوز في قشره . وهو قياسٌ على شراء الحب في سنبله بعد البياض (1) .

1- لحديث أن النبي (ص) : (نهى عن بيع النخل حتى يزهو وعن السنبل حتى يبيض ويامن العاهه نهى البائع والمشتري) (2) .

وجه الدلالة : هو جواز بيع الحب مع إمكانية فصله من سنبله فكذلك إمكانية فصل الرأس والجلد أو الأطراف من المبيع .

2- واستدل الحنابلة بأنه (ص) : (نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والثنيا الا أن تُعلَم) (3)، وهذه معلومة فجاز استثناؤها (4).

وجه الدلالة : انه إذا علم المقدار المستثنى المتصل بالمبيع جاز استثناؤه عند أمكانية فصله من المبيع . (وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز لأنه لا يجوز إفراده بالبيع فلم يجز استثناؤه كالحمل) (5) .

 

ويجاب عنه : أن كونه لا يجوز إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه (1) . 

3- واستدلوا باستثناء الثمرة من النخلة المؤبرة عند البيع لقوله (r) : (من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع ، ألا أن يشترط المبتاع) (2) .

وجه الدلالة من الحديث : هي جواز استثناء المتصل بدلالة اتصال الثمرة بالأصل .

والذي أراه راجحاً هو جواز استثناء بعض المنافع إذا لم تعارض مقتضى العقد ولم تفوت مصلحة للمبتاع استناداً إلى حديث جابر ، ولكن هناك مسألة لم أرَ أحداً قد تطرق إليها وهي قضية تحديد مدة إرجاع المستثنى من المتصل بالمبيع ، لأنها إذا لم تحدد فإنها تورث جهالة لحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : (من أسلف في تمر ، فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم إلى أجلٍ معلوم) .

وجـه الدلالة : تحديد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، الأجل دليل على وجوب معرفة الأجل في المبيع ، وسبب هذا الحديث ، كما ورد عن ابن عباس ، قال : قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة ، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين ، فقال : (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم … الحديث) (3) ، فهذا فيه دليل على وجوب تحديد الأجل ، ويقاس عليه تحديد إرجاع المستثنى من المبيع دفعاً للجهالة الحاصلة من عدم مراعاة ذلك والتنازع فيه ، والله أعلــم .

 

(1)  بدائع الصنائع : 5/175 .

(2)  بداية المجتهد : 2/135 .

(3)  المجموع : شرح المهذب : 9/256 .

(4)  الشرح الكبير : 5/253 .

(5)  الشرح الكبير : 5/253 .

(6)  سنن الترمذي : كتاب البيوع ، باب ما جاء في النهي عن الثنيا إلا أن تعلم ، (1290) : 2/564 .

(7)  بدائع الصنائع : 5/75 ، بداية المجتهد : 2/135 ، المجموع : شرح المهذب : 9/256 ، الشرح الكبير : 5/253 .

(8)  بداية المجتهد : 2/134 .

(9)  مجموعة الفتاوى : 29/133 .

(10)  المصدر نفسه : 29/168 .

(1)  بداية المجتهد : 2/136 .

(2)  الشرح الكبير  : 5/254 .

(3)  مجموع الفتاوى : 29/176 .

(4)  مجموع الفتاوى : 29/168 .

(5)  البخاري : كتاب البيوع ، باب إذا اشترط ظهر الدابة إلى أجل مسمى جاز ، رقم (2569) / 2/906 .

(1)  ينظر : بداية المجتهد : 2/134-135 ، (ابن حبيب) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب القرطبي الأندلسي (ت 238هـ) ، الإمام مالك حياته وعصره – آراؤه افقهية ، محمد أبو زهرة ، دار الفكر العربي : 257 .

(2)  صحيح مسلم : للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، (ت 261هـ) دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، 1420هـ – 2000م ، كتاب البيوع ، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع ، 1535 : 1/675 .

(3)  سنن الترمذي : كتاب البيوع ، باب النهي عن الثنيا إلا أن تعلم ، (1290) : 2/564 ، المحاقلة : بيع الطعام في سنبله بالبُر مأخوذ من الحقل والمنهي عن بيع الزرع قبل إدراكه ، فتح الباري : 4/465. المزابنة : اشتراه الثمر بالتمر على رؤوس النخل ، فتح الباري : 4/444 ، المخابرة : هي المزارعة على نصيب معين كالثلث والربع وغيرهما ، النسائي : 6/29 .

(4)  الشرح الكبير : 5/255 .

(5)  المصدر نفسه : 5/255 .

(1)  الشرح الكبير : 5/255 .

(2)  البخاري : كتاب البيوع ، باب من باعَ نخلاً قد ابرت ، برقم (2090) : 2/716 .

(3)  صحيح مسلم : كتاب المساقاة ، باب السلم ، برقم (1604) : 1/709 .