مسألة: الاحرام بالحج في غير أوقات الحج

0
40

وقبل أن أبدأ عرض المسألة لابد من تعريف الاحرام:

فالإحرام لغة: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراما إذا أهل بالحج أو العمرة وباشر أسبابهما وشروطهما وأصله المنع([1]).

شرعا: هو نية أحد النسكين الحج, أو العمرة, أو نيتهما معاً, وهو ركن من أركان الحج([2]).

ولا ينبغي الاحرام بالحج الا في أشهر الحج, لقوله تعالى(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْخَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) ([3])

وهي: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة. وإن أحرم بالحج قبل وقته, ففيه قولان:

القول الأول: اذا إحرم قبل وقت الحج تحلل بعمرة ويحرم عند دخول الحج من الحل أو اقرب ميقات مكاني على خلاف بينهم وبه قال الإمام المتولي([4]) وعطاء, ومجاهد وعمر وابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس والشافعية([5]) والظاهرية([6]) قالوا أنعقد إحرامه عمرة.

القول الثاني: اذا احرم بالحج قبل وقته صح احرامه. أذا بقي إحرامه الى وقت الحج. وهو قول النخعي, وأبي حنيفة([7]), ومالك([8]), والثوري, وأحمد, وإسحاق([9]).

أستدل أصحاب القول الاول:

الدليل الاول ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْخَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) ([10])

دلت الاية على انه يريد وقت الحج, فجعل وقته أشهراً, فلو انعقد الاحرام في غيرها لم تكن الاشهر وقتاً له, وانما تكون في بعض وقته([11]).

الدليل الثاني: عن أبي الزبير(رضي الله عنه): سمعت جابر بن عبد الله يسأل أيهل أحد بالحج قبل أشهر الحج؟ قال: لا.([12])

الدليل الثالث: إن الاحرام نسك من مناسك الحج, فكان مؤقتاً, كالطواف والوقوف([13]).

الدليل الرابع: إن أحرم به قبل وقته كان عمرة, كمن صلى صلاة قبل وقتها كانت نفلاً([14]).

ونوقش: أن قوله تعالى (يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيْتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)([15]) فأخبر أن الاهلة هي كلها اوقات للحج؛ ولانها عبادة تدخل فيها النيابة, وتجب في أفسادها الكفارة, فوجب أن لا يختص بزمان كالعمرة.

أستدل أصحاب القول الثاني:

الدليل الاول: (يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيْتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)([16])

فدل على أن جميع الاشهر ميقات زماني([17]).

ونوقش: بأن الحج يختص بزمان ومكان، فالزمان هو أشهر الحج والمكان هو الميقات فلما جاز تقديمه على المكان، جاز تقديمه على الزمان وعكس هذا الوقوف بعرفة، لما لم يجز تقديمه على زمانه لم يجز تقديمه على مكانه قالوا: ولأن الإحرام بالحج قد يصح في زمان لا يمكنه إيقاع أفعال الحج فيه، وهو شوال فعلم أنه لا يختص بزمان، ودليلنا قوله تعالى في أشهر الحج كما ذكرناه بين أنه يريد وقت الحج فجعل وقتاً للحج([18]).

الدليل الثاني: انه أحد نسكي القران([19]), فجاز الاحرام به كالعمرة([20]).

الدليل الثالث: أنه مثل الاحرام قبل الميقات المكاني, فله الاحرام قبل الميقات الزماني([21]).

الرأي الراجح:

بعد عرض أدلة أصحاب القولين, يبدو لي أن الراجح هو الرأي الأول, وهو أن أحرامه أنعقد عمرة؛ لانه أحرم في غير وقت الحج , والحج له أيام معلومات كالصيام, فمن أحرم بالحج في غيره وقته أنصرف أحرامه للعمرة بلا شك ويمكنه الاحرام بالحج في وقته اما من أقرب ميقات مكاني أو من الحل (مسجد التنعيم) على خلاف بينهم.


([1]) متن اللغة 2/72, ولسان العرب, فصل الحاء المهملة 12/122.

([2]) الشرح الكبير 2/21, وحاشية الصاوي 2/25, والخلاصة الفقهية للسادة المالكية 1/210.

([3]) سورة البقرة أية (197)

([4]) ينظر: المجموع 7/142.

([5]) ينظر: الحاوي الكبير4/28, ونهاية المطلب 4/164.

([6]) ينظر: المحلى 5/45.

([7]) ينظر: المبسوط 4/60 

([8]) ينظر: بداية المجتهد 2/90.

([9]) ينظر: المغني 3/231, والواضح في شرح الخرقي 1/650.

([10]) سورة البقرة أية (197).

([11]) ينظر: الحاوي الكبير 4/29.

([12]) معرفة السنن والاثار, باب وقت الحج والعمرة 7/43, (9234), قال ابن كثير: حديث موقوف, تفسير ابن كثير 1/236.

([13]) المجموع 7/140.

([14]) ينظر: المصدر السابق

([15]) سورة البقرة: أية (189).

([16]) سورة البقرة: أية (189).

([17]) ينظر: تفسير ابن كثير 1/541-542.

([18]) ينظر: الحاوي الكبير 4/29.

([19]) القران لغة: الجمع بين الحج والعمرة، وقرن بين الحج والعمرة قرانا، بالكسر, وأصطلاحاً: هو الجمع بين الحج والعمرة بأن يحرم بهما أو يحرم بالحج بعد إحرام العمرة قبل أداء الأعمال من قولهم قرن الشيء إذا جمع بينهما, لسان العرب, فصل القاف 13/336, والمبسوط 4/25.

([20]) الواضح في شرح الخرقي 1/650.

([21]) ينظر: المغني3/231, والشرح الكبير على متن المقنع3/223.