مسألة: ( الحِجر (الحطيم))

0
54

قبل البدء في حكم الحجر, لابد من تعريفه:

الحجر([1]) في اللغة: المنع([2]).

وأصطلاحاً: ماأحاط به الحطيم مما يلي الميزاب من الكعبة([3]).

واختلف العلماء في مسألة الحجر هل هو من البيت ليكون الطواف خارجه, أم أن بعضاً من البيت, فقال ابن جماعة الشافعي: قال ابن الصلاح إن الروايات اضطربت في الحجر, لذلك سأتكلم عن حكمها: 

القول الأول: أن الحجر بعضه من البيت, بقدر ست أذرع أو سبع, أي أذا لم يدخل من باب الحجر بل اقتحم جداره وخلف بينه وبين البيت القدر الذي هو من البيت وقطع مسافة الحجر على السمت صح طوافه” وبه قال الإمام المتولي (رحمه الله)”([4]).

القول الثاني: قال جمهور العلماء (منهم) عطاء والحسن البصري والمالكية([5]) والحنفية([6]) والشافعية([7]) والحنابلة([8]) والامامية([9])

إن الحجر (الحطيم)([10]) من البيت, لذلك يكون الطواف من خارج الحطيم, لهذا قالوا لو طاف في الحجر لم يصح عندنا وبه قال أبو ثور وابن المنذر ونقله القاضي عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة وقال أبو حنيفة إن كان بمكة أعاده وإن رجع إلى وطنه بلا إعادة أراق دما وأجزأه طوافه([11]).

الادلة:

استدل أصحاب القول الأول:

الدليل الاول: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) عَنْ الجَدْرِ أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ، لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي البَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ»([12]).

وجه الدلالة:

دلت الحديث في لفظ (أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ») لمسلم ” أن ست أذرع منه من البيت”, وفي رواية” قريباً من سبع أذرع([13]).

الدليل الثاني: روى إن عائشة رضي الله عنها قالت ” نذرت أن أصلى ركعتين في البيت فقال (صلى الله عليه وسلم) صلى في الحجر فان ستة أذرع منه من البيت”([14])

الدليل الثالث: قالت عائشة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لا ريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبع أذرع”([15])

وجه الدلالة:

دل الحديث على جواز من طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ست أذرع([16]).

استدل أصحاب القول الثاني:

الدليل الاول: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ وَقَالَ صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ وَلِأَنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ([17]).

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن الحجر كله من البيت([18]).

الدليل الثاني: رَوَى مَرْثَدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ قَالَ حَضَرْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى عَائِشَةَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ كِبَارِ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافِهِمْ وَخِيَارِهِمْ فَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّ رَسُولَ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ لَوْلَا حَدَثَانِ قَوْمِكِ بِالشِّرْكِ لَبَنَيْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ قَصَّرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ: لَا، قَالَ: قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ([19]).

وجه الدلالة:

دل هذا الحديث أيضاً ان الحجر من البيت([20]).

المناقشة:

رد الجمهور على قول الامام المتولي قالوا ثبت بهذه الأخبار أنه من البيت وقد كان ابن الزبير في أيامه هدمه وابتناه على قواعد إبراهيم، وجعل له بابين شرقيا وغربيا كما ذكرت عائشة فهدم الحجاج زيادة ابن الزبير التي استوظف بها القواعد فهم بعض الولاة بإعادته، وقيل على ما كان المهدي من بني العباس فكره ذلك بعض من أشار عليه، فقال: أخاف أن لا يأتي وال لا أحب أن يرى في البيت أثر ينسب إليه، والبيت أجل من أن يطمع فيه، وقد أقره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخلفاؤه بعده، فإذا ثبت بما ذكرنا من الأخبار وحكينا من فعل ابن الزبير أن الحجر من البيت لم يجزه الطواف فيه (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ([21]).

وإذا طاف في الحجر كان طائفا بالبيت الجديد ولم يكن طائفا بالبيت العتيق فلم يجزه؛ لأنه طاف ببعضه([22]), لكن الامام المتولي رد عليهم بما روت سيدتنا عائشة(رضي الله عنها) عندما أراها النبي (صلى الله عليه وسلم) قريباً من سبعة أذرع, والله تعالى أعلم.

الرأي الراجح:

يبدو لي أن الراجح بعد عرض أدلة الفريقين هو رأي الجمهور؛ لقوة أدلتهم وقوة أسناد الاحاديث الذي رووه, لذلك الحجر كله من البيت بما أخبر سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم) لسيدتنا عائشة (رضي الله عنها) عندما قصرت النفقة بالقوم وأقتصروا على هذا البناء وكانت رؤية النبي (صلى الله عليه وسلم)  كبيرة وخشيته من قومه أن تنكر قلوبهم لذلك, والله تعالى أعلم.


([1]) الحجر: بكسر فسكون سمي حجرا لاستدارته وهو محوط مدور على صورة نصف دائرة خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام ويقال له الجدر بفتح الجيم فسكون المهملة وهو من وضع الخليل قال الأزرقي عن ابن إسحاق جعل إبراهيم الحجر إلى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه الغنم وكان زربا لغنم إسماعيل، ثم إن قريشا أدخلت فيه أذرعا من الكعبة, ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي 2/315.

([2]) لسان العرب, فصل الحاء المهملة 4/168, وتاج العروس 10/535.

([3]) أنيس الفقهاء 1/99.

([4]) ينظر: المجموع 8/25.

([5]) ينظر: البيان والتحصيل 3/429.

([6]) ينظر: بدائع الصنائع 2/131, والهداية 1/138, والجوهرة النيرة 1/154, والبناية 4/196.

([7]) ينظر: المهذب 1/404.

([8]) ينظر: المغني 3/402, وشرح العمدة 3/549, وشرح الزركشي 3/201.

([9]) ينظر: شرائع الاسلام 1/210.

([10]) (الحطيم) حجر مكة وهو ما يلي الميزاب، وقال النضر: إنما سمي حطيمًا لان البيت رفع وترك ذاك محطومًا, ينظر: الغريبين في القرآن والحديث2/461.

([11]) ينظر: المجموع 8/60.

([12]) أخرجه البخاري في صحيحه, باب فضل مكة وبنيانها 2/146, (1584), وأخرجه مسلم في صحيحه, باب جدر الكعبة وبابها 2/973, (1333). وهو حديث صحيح

([13]) ينظر: التوشيح شرح الجامع الصحيح 3/1257, (1585).

([14]) البدر المنير 6/181, قال ابن الملقن وهو غريب.

([15]) أخرجه مسلم في صحيحه, باب نقض الكعبة وبنائها 2/971, (1333), وأخرجه أبن خزيمه في صحيحه, باب ذكر الدليل على صحة ماتأولت قول أبن عباس والبيان أن بعض الحجر من البيت لاجميعه 4/223, (2741), وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه 5/127, (9150).

([16]) ينظر: شرح النووي على مسلم 9/91.

([17]) أخرجه الترمذي في سننه, باب ماجاء في الصلاة في الحجر 3/216, (876), وأخرجه أبي داود في سننه, باب الصلاة في الحجر 2/214, (2028), وأخرجه أحمد في مسنده, حديث السيدة عائشة (رضي الله عنها) 6/67, (24429). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

([18]) ينظر: عمدة القارئ 9/218, وشرح الزرقاني 2/450, ونيل الاوطار 5/53.

([19]) أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه, باب الحجر وبعضه من الكعبة 5/130, (9157), وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده, ما يروى عن عائشة بنت أبي بكر الصديق(رضي الله عنهما) 2/85, (552).

([20]) ينظر: أكمال المعلم 4/427.

([21]) سورة الحج: أية (29).

([22]) ينظر: الحاوي الكبير 4/355-356.