مسألة: دخول مكة لحاجة لا تتكرر

0
38

تكلم العلماء في حكم من دخل مكة من خارج الميقات هل يجب عليه الاحرام ام لا, فقد أختلف الفقهاء فيه على أقوال:

القول الأول: مكروه, وبه قال الإمام المتولي (رحمه الله) ونص قوله ” يكره الدخول إلى مكة بغير إحرام هذا حكم من لايتكرر دخوله”([1])

القول الثاني: واجب وبه قال الحنفية([2]) والمالكية([3]) وقول للشافعية([4]) والحنابلة([5]) والامامية([6]) قالوا عليه ان يحرم أذا أراد دخول مكة سواء كان لحج أو عمرة, او للتجارة او للزيارة.

القول الثالث: لايجب عليه الاحرام وأنما يستحب وبه قال الشافعية([7]).

القول الرابع: جائز وبه قال الظاهرية([8]).

الأدلة:

يستدل الامام المتولي:

الدليل الاول: ماروي عَنِ ابْنِ عَبَّاس(رضي الله عنه) قَالَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، إِلَّا الْحَطَّابِينَ الْعَجَّالِينَ وَأَهْلَ مَنَافِعِهَا»([9]) اي (الذي يحملون الحطب لاهل مكة فيبيحونه ثم يخرجون إلى منازلهم خارجها)

وجه الدلالة:

دل الحديث على كراهة دخول مكة بغير إحرام([10]).

الدليل الثاني: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِإِحْرَامٍ»، يَعْنِي مَكَّةَ([11]).

أستدل أصحاب القول الثاني:

الدليل الاول: ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا([12])، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، إِلَّا لِمُعَرِّفٍ»، وَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ، لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: «إِلَّا الإِذْخِر”([13]) ([14]).

دل الحديث على آمرين:

أ‌-          أن مكة حرام.

ب‌-       أنها لاتحل لاحد بعده (صلى الله عليه وسلم), ومنها يؤخذ عدم جواز دخول مكة بغير إحرام لحرمتها التي وضحها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)([15]).

الدليل الثاني: ولأن هذه بقعة شريفة لها قدر وخطر عند الله تعالى، فالدخول فيها يقتضي التزام عبادة إظهارا لشرفها على سائر البقاع، وأهل مكة بسكناهم فيها جعلوا معظمين لها بقيامهم بعمارتها وسدانتها وحفظها وحمايتها؛ لذلك أبيح لهم السكنى، وكلما قدم الإحرام على المواقيت هو أفضل([16]).

أن هذا قاصد إلى مكة لا يتكرر دخوله إليها فلزمه الإحرام كالقاصد للنسك([17]).

استدل أصحاب القول الثالث:

الدليل الاول: مارواه ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, مرفوعاً في المواقيت وفيه ” فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ”([18]).

وجه الدلالة:

دل الحديث على أن من مّر على الميقات غير مريد للحج, او العمرة لم يلزمه الاحرام بحال([19]).

نوقش: بأن الخبر قصد به بيان حد المواقيت التي يجب الإحرام منها، ولم يقصد به بيان من أراد المرور عليها، هل يلزمه الإحرام أم لا؟ فإن القيد إنما ذكر ليخرج من تجاوز الميقات ولم يرد مكة، أو البلد الحرام، إذ لو بقي النص على إطلاقه لوجب الإحرام على كل من تجاوز المواقيت، ولو لم يرد البلد الحرام([20]).

 استدل أصحاب القول الرابع:

الدليل الاول: عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم)” دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ([21]).

 وجه الدلالة:

أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل مكة بغير احرام, والسبب هو أنه كان لا يأمن أن يُقاتل, فدل هذا على الجواز بدخول مكة بغير أحرام. ورد على هذا الحديث بأن الحكم ظاهر, والأولى أن يقال كان محرماً, وليس بوجود العذر([22]).

نوقش: قال الظاهرية بأنه(صلى الله عليه وسلم) لبس عمامة سوداء ولم يكن محرماً([23]).

وأجاب الجمهور على من قال بجواز دخولها بغير احرام, قالوا ماأستدل به أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل مكة بغير أحرام فهو من خصائصه([24]), والدليل قوله (صلى الله عليه وسلم)  قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ»([25]), وقالوا أيضاً ان الاحرام واجب ان لم تتكرر حاجته([26]).

الدليل الثاني: عَنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنه)، «أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِقَدِيدٍ بَلَغَهُ أَنَّ جَيْشًا مِنْ جُيُوشِ الْفِتْنَةِ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، فَكَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَدَخَلَهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ»([27]).

 وجه الدلالة:

 أن ابن عمر دخل مكة بغير إحرام بعدما خرج منها([28]).

ونوقش: بأن هذا الاستدلال لمن كان في المواقيت او دونها الى مكة ليس بينه وبين مكة وقت من المواقيت التي وقتت, فلا بأس أن يدخل مكة بغير أحرام وأما من كان خلف المواقيت أي وقت من المواقيت التي بينه وبين مكة فلا يدخلن مكة إلا بإحرام([29]).

وأجاب عليهم بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجاً أو عمرة, أما من لم يرد حجاً ولاعمرة فلم يأمر الله تعالى قط ولا رسوله (صلى الله عليه وسلم) بأن لايدخل مكة الا بأحرام فهو ألزام ما لم يأت في الشرع ألزامه([30]).

الدليل الثالث: قال أنه تجوز السكنى بمكة من غير إحرام فالدخول أولى؛ لأنه دون السكنى([31]).

الرأي الراجح:

بعد ذكر أدلة الفريقين, يبدو لي أن الراجح هو القول الثاني بوجوب الاحرام عند دخول مكة؛ وذلك لقوة ادلتهم عن النبي(صلى الله عليه وسلم) في عدم دخول مكة بغير احرام, لكن أود أن اشير ان هناك من يحرس مكة من رجال الامن او الخدم فهؤلاء ان لم يكونوا قد اقاموا فريضة الحج فيجب عليهم ان يعتمروا قبل أن يتوجهوا لعملهم, وأن لايدخلوها بغير إحرام فهؤلاء قد أخذوا بالقول الثاني,([32]), والله تعالى اعلم.


([1]) ينظر: المجموع 7/11.

([2]) ينظر: المحيط البرهاني 2/435.

([3]) ينظر: المدونة 1/406, والبيان والتحصيل 4/71, ومواهب الجليل 3/42.

([4]) ينظر: المهذب في فقه الامام الشافعي 1/358, وحلية العلماء 3/232, والمجموع 7/10.

([5]) ينظر: المغني 3/489, ورؤوس المسائل في الخلاف 1/395.

([6]) ينظر: شرائع الاسلام 1/197.

([7]) ينظر: المهذب في فقه الامام الشافعي 1/358, والمجموع 7/10, وكفاية النبيه 7/9.

([8]) ينظر: المحلى بالآثار 5/307.

([9]) أخرجه ابن شيبة في مصنفه, باب من كره ان يدخل مكة بغير احرام 3/209, (13517), وشرح معاني الاثار, باب دخول الحرم, هل يصلح بغير أحرام 2/263, (4172), قال الامام ابن حجر: فيه طلحة بن عمرو وفيه ضعف, التلخيص الحبير 3/866.

([10]) ينظر: منار القارئ 3/182.

([11]) أخرجه أبن شيبه في مصنفه, باب من كره أن يدخل مكة بغير احرام 3/209, (13518)

([12]) الخلى: القطع, وخلاها: هو النبات الرقيق مادام رطباً, أي لايقطع نباتها, لسان العرب 14/243.

([13]) الإذخر: وهو حشيش طيب الرائحة, تاج العروس 11/364.

([14]) أخرجه البخاري في صحيحه, باب لاينفر صيد الحرم 3/14, (1833), وأخرجه النسائي في سننه الكبرى, باب النهي عن أن ينفر صيد الحرم 4/107, (3861), وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير 13/343, (11957).

([15]) ينظر: بدائع الصنائع 2/164

([16]) ينظر: بدائع الصنائع 2/164.

([17]) ينظر: المنتقى 2/205.

([18]) أخرجه البخاري في صحيحه, باب مهل أهل الشام 2/134, (1526), وأخرجه مسلم في صحيحه, باب مواقيت الحج والعمرة 2/838, (1181).

([19]) ينظر: المجموع 7/16.

([20]) ينظر: التعليقة الكبيرة 2/199-200.

([21]) أخرجه ابن ماجه في سننه, باب لبس العمائم في الحرب 4/95, (2821), حكم شعيب الارناؤوط: أسناده صحيح على شرط مسلم. واخرجه الترمذي في سننه, باب ماجاء في الالوية 3/248.

([22]) ينظر: شرح مسند ابو حنيفة 1/232.

([23]) ينظر: عمدة القارئ 21/311, والمحلى 5/307.

([24]) النجم الوهاج في شرح المنهاج 3/474.

([25]) أخرجه البخاري في صحيحه, باب الاذخر والحشيش في القبر 2/92, (1349), واخرجه مسلم في صحيحه, باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها 2/986, (1353), واخرجه النسائي في سننه, باب تحريم القتال 5/204, (2875).

([26]) ينظر: جمع الرسائل في شرح الشمائل, باب ما جاء في صفة مغفر رسول الله (r) 1/164.

([27]) أخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه 3/210, (13526), وشرح معاني الاثار, باب دخول الحرم, هل يصلح بغير أحرام 2/263, (4156), والموطأ بروايتيين, باب دخول مكة بغير= =أحرام 2/321, (459). قال ابو محمد العيني طريقه صحيح, نخب الافكار 10/280.

([28]) ينظر: عمدة القارئ 21/311, والمحلى 5/307.

([29]) ينظر: الموطأ بروايتيين 2/321.

([30]) ينظر: المحلى 5/307.

([31]) ينظر: بدائع الصنائع 2/164.

([32]) قد أفتى به اللجنة الدائمة بدار الافتاء في المملكة العربية السعودية.