الدورات القرآنية الانطلاق من الواقع الى الطموح

0
137
توجيهات تربوية لمدرس الدورة القرآنية

الدورات القرآنية وسيلة لتعليم القرآن الكريم على أصوله الصحيحة

  

الدورات القرآنية

الانطلاق

من الواقع إلى الطموح

 

 

تأليف

الدكتور حسن سهيل عبود الجميلي

 

الإهداء

 

إلى الذي لا يغيب خاطره عنا، وأحاديثه منا، فهو صاحب فضل وسبق في مجال الدورات القرآنية، الشيخ الشهيد عمر سعيد حوران العاني (رحمه الله).

وإلى من كان سببا في وجودي في هذا العالم الحائر، المغفور له بإذن ربه والدي (رحمه الله) الحاج سهيل عبود أحمد الجميلي.

أهدي ثواب هذا البحث راجيا من الله القبول والوصول

 

 

 

 

الباحث

 

 

 

المقدمة

الحمد لله الذي جعل أهل القرآن هم أهله وخاصته، وجعل الخيرية فيه وفيمن يعلمه، والصلاة والسلام على من كان قرآنا يمشي على الأرض، وعلى آله وصحبه الذين حفظوا وعلموا آي القرآن، وعملوا بها حتى سادوا الدنيا بأسرها، وبعد:

فإنه من دواعي الفخر والسرور أن أكتب لأهل القرآن، أهل الدورة القرآنية، كيف يعيشون مع القرآن، ويعملون مع القرآن، ويعيدون له الجولة في مجتمعنا الذي يراه الناظر بعيدا كل البعد عن القرآن، وأمر آخر يجعلني أفخر، هو تكليف إخوتي في مديرية الوقف في الفلوجة إياي بالكتابة في هذا الموضوع.

لهذا وذاك، فقد امتشقت القلم، واعتصرته حتى سال دما أزرقا لطخ بياض الورق، ليسطر ما يجول في خاطري نحو الدورات القرآنية، وإني أستعين الله تعالى الذي لا يقف أمام معونته أحد ذو قوة مانعة، لأكتب في موضوع أراه جديرا بالكتابة، اخترت عنوانه من بين عنوانات كثيرة، وهو (الدورات القرآنية – الانطلاق من الواقع إلى الطموح).

وإني أستجدي من القارئ الكريم العفو والسماح لما قد يجده من هفوات فيه، ذاك لكثرة مشاغلي في عملي المهني، وقلة الوقت الذي كتبت فيه البحث، فلم يجد مني مراجعة ولا تمحيصا، وعزائي أن القراء هم إخواني الذي سيصوبون الخطأ ويقيلون العثر، ويقومون الزلل.

وبعد هذا فقد جعلته مؤلفا من مقدمة وخمسة مطالب وخاتمة.

أما المقدمة فقد انقضت قبل قليل بما فيها.

وأما المطلب الأول: فسميته الهدف: تكلمت فيه عن الهدف وأنواع الأهداف وأهمية الأهداف في الدورة القرآنية.

المطلب الثاني: عنونته بالخطة: سلطت الضوء فيه على معنى الخطة والتخطيط، وأهمية التخطيط في حياة المسلم والدورة القرآنية، وأنواع الخطط، ونماذج ومخططات للخطط في الدورة القرآنية.

المطلب الثالث: عنوانه المعلومة: تكلمت فيه عن المعلومة التي تعطى في الدورة القرآنية وأنواعها وما يشترط فيها.

المطلب الرابع: سميته الوسائل والإجراءات: سطرت فيه أهم الوسائل التي يمكن استخدامها في الدورة لتحقيق هدفها.

المطلب الخامس: جعلت عنوانه التفاعل: وتكلمت فيه عن معنى التفاعل الشخصي والغيري.

أما الخاتمة: فقد سطرت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج.

وبعدها، فإنه عمل بشري يكتنفه الخطأ والزلل يحتاج إلى تقويم وتسديد، رجائي الدعاء من قارئه وتقويمه وتسديده، مع طلبي من الحي الذي لا يموت الأجر والثواب.

 

الباحث

 

 

 

المطلب الأول

الهدف

تمهيد

كثير من العاملين في خط أو سلك الدعوة يعملون دونما هدف يذكر، أو أنهم لا يعرفون ما يريدون، وحينما يتكلم معهم حول الهدف ترى في أعينهم الدهشة وكأنك قلت شيئا منكرا! أو أن هذا القول هو ضرب من الخيال، ولكننا لو نظرنا حياة النبي لوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يخطو خطوة من غير أن تكون من ضمن أهدافه التي رسمها في عقله وخطط لها جيدا.

ومن هذا المنطلق وجب لزاما على مقيمي الدورات تحديد أهدافهم جيدا، وعليهم أن يسألوا أنفسهم ماذا يريدون من إقامة الدورة القرآنية ما هي طموحاتهم من خلال إقامتها، وإسهاما منا في إنجاح لابد أن نعرّف ونتعرف على ماهيات الأهداف، وأقسامها، وكيف تخدمنا في إنجاح الدورات القرآنية…

1) تعريف الهدف:

وهو الشيء المرتفع الشاخص الواضح للعيان، وسمي قرطاس الرمي هدفا لانتصابه وارتفاعه،([1])ومنه يقال للبناء المرتفع هدفا، وأرى هدف الرمي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي فرآه،([2]) ويقال: هدف إلى الشيء أسرع وأهدف إليه لجأ.([3])

إذاً فالهدف هو الرؤية والطموح البارز والواضح والشاخص والذي يراه صاحبه من غير ضبابية أو تشويش.

فهذا رسول الله يقول لعدي بن حاتم: (( يا عدي بن حاتم كيف أنت اذا خرجت الظعينة من قصور اليمن حتى تأتي الحيرة لا تخاف الا الله و الذئب على غنمها)) قلت: ولي طي ومقاتبها ورجالها قال: ((اذا يكفيها الله و ما سواها)).([4])

فهذا النبي يرى هدفا من أهدافه وكأنه ماثل أمام عينيه شاخص قبالتها، كذلك يجب على مدير الدورة والمعلم فيها أن يعيش هدفه وكأنه يراه، سئل أحد أبطال العالم في التنس وهو يستلم الكأس: كيف بك وأنت تستلم الكأس للمرة الأولى؟ فقال: هذه ليست المرة الأولى، قيل له: كيف؟ فقال: لأني كنت أحلم به وأتخيله في كل يوم، منذ أكثر من عشر سنوات، وكنت أعيش هذه اللحظة في كل لحظة تخيل.([5])

2) أقسام الأهداف:

العلماء لهم في تقسيم الأهداف كلام كثير، وقد اخترت في هذا الباب أن أقسم الأهداف إلى:

1. الأهداف الستراتيجية (المستقبلية):

وهو الهدف المركزي العام الذي يمثل الرؤية والفكر لدى الشخص، ويمكن القول هو السقف الأعلى لما تطمح إليه وتريد الوصول إليه.

ولابد لمدير الدورة أن يضع هدفا عاما للدورة يريد في نهاية الدورة الوصول إليه، وعلى سبيل المثال يقول: هدفي لهذه الدورة في هذا العام هو (زرع القيم والفضيلة والأخلاق في نفوس الطلاب مع حفظ جزء كامل من القرآن).

وعليه أن يعيش هذا الهدف ويحلم به ويتخيله حتى يستقر عنده في العقل اللاواعي ليصير بعد ذلك سلوكا يتصرف به، ومن خلال ذلك وكثرة الترداد له والتخيل سيعينه قلبه اللاواعي بأن يفتح له ملفات مشابهة من خلال تجاربه وتجارب الآخرين يعينه في ذلك.

ومن هذا الترداد والتخيل ستولد الخطة للوصول إلى الهدف المنشود، يقول رسول الله : ((يا أيها الناس، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه…)).([6])

فترداد العلم والفقه يصبح سجية وخلقا وعادة وسلوكا، وهذا الذي نريده من تخيل الاهداف.

ولهذه الأهداف المركزية بعض الشروط:

أ. أن يكون الهدف ذا سقف عالٍ:

وهذا سيتطلب منا بذل ما بالوسع من الجهد الذي نأمل من خلاله الوصول إلى الهدف المنشود، وفي حالة عدم الوصول إليه نكون قد حققنا نتائج عالية وطيبة، عن عبادة بن الصامت عن النبي قال: ((الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مائة عام، والفردوس أعلاها درجة، منها تفجر الأنهار الأربعة، والعرش من فوقها، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى)).([7])

فالرسول يعلمنا أن يكون الهدف عاليا، لنعمل عملا عظيما من أجله، فإذا لم نستطع الحصول عليه حصلنا على الأقل منه، وفي هذا المقام يقول المتنبي:

إذا غامرت في شرف مروم          فلا تقنع بما دون النجوم

ب. أن يكون الهدف واضحا:

وضوح الهدف يولد إمكانية العيش معه وتخيله، ومن هنا نجد الرسول يقول لعمه أبي طالب: ((والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)).([8])

وليس هذا فقط عند النبي بل انتقل هذا الوضوح إلى أصحابه، فهذا أبو بكر الصديق عند وفاة النبي قال: (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).([9])

ج. أن يكون واقعيا:

فالأهداف الخيالية غالبا ما تذهب في مهب الريح؛ لأنها عند ذلك لا تكون إلا أحلاما، وهي عرضة للنسيان، فعلى مدير الدورة أن يكون واقعيا في وضعه للأهداف وإلا تلاشى عمله وذهب سدى.

د. أن يكون مما يمكن تطبيقه:

فالأعمال المستحيلة لا تبعث في النفس تحديا ولا رغبة في إنجازها، لأن الإنسان عندها يكون آيسا منها ومهزوما قبلها، ولا تكون الأهداف أو الأعمال سهلة جدا فبدورها لا تبعث تحديا ولا رغبة في الإبداع والاختراع، وعليه أرى أن تكون الأهداف متوسطة القوة يمكن تطبيقها مع بعثها للتحدي في النفس والإبداع وهذا يتناسق مع الشرط الأول.([10])

ب. الأهداف المرحلية (الآنية)

وهذه الأهداف هي عبارة عن الخطوات والأعمال التي بها نتوصل إلى تحقيق الهدف الستراتيجي، فهو يمثل النهر وهي تمثل الجداول، فلا نهر بلا جداول وروافد ولا منبع، فمدير الدورة ينظر إلى الهدف العام ويحاول وضع أهداف صغيرة توصل إلى تحقيق الهدف الستراتيجي العام، ويجعل كل درس هدفا يصب في الهدف العام، ونعود إلى الهدف الستراتيجي الذي اقترحناه وهو (زرع القيم والفضيلة والأخلاق في نفوس الطلاب مع حفظ جزء كامل من القرآن الكريم) كيف نحققه؟

أقول: اتبع المخطط الآتي:

الهدف الستراتيجي (زرع القيم … وحفظ جزء)

الدرس السادس خُلق الإنفاق + حفظ

الدرس الخامس آداب دخول المسجد + حفظ

الدرس الرابع خُلق الأمانة + حفظ

الدرس الثالث خُلق الصدق + حفظ

الدرس الثاني احترام الوالدين + حفظ

الدرس الأول آداب الاستئذان + حفظ 3 من قصار السور

(ملاحظة) : في كل درس لابد له من خطة تحدد كيفية إيصال هذه المعلومات إلى الطالب، وسنتعرف على الخطة في موطنها.

بعد هذا أورد أن أقول أن هذه الأهداف لها شروط منها:

أ. أن تكون متدرجة:

فهي كالبناء، تبدأ من الأرض ثم الأسس ثم الحيطان وهكذا، وخير مثال على ذلك من القرآن الكريم، فقد ذكر العلماء أن تحريم الخمر مر على مراحل:

أولها: قوله تعالى في سورة النحل: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا([11]) فجمهور العلماء على أن المراد بالسكر في هذه الآية الكريمة الخمر؛ لأن العرب تطلق اسم السكر على ما يحصل به السكر.([12])

ثانيها: قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ([13]) يقول العلماء: “وبعد نزولها أي الآية تركها قوم أي الخمر للإثم الذي فيها، وشربها قوم للمنافع التي فيها”.([14])

ثالثها: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ([15]) وقد شدد على شاربيها وضيق عليهم بحيث لم يبق لهم من الوقت لشربها إلا في الليل وبعد صلاة العشاء، ذلك بعد أن كانوا يشربونها في كل وقت.

رابعها: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون ([16]) قال العلماء: قوله فهل أنتم منتهون أبلغ في الزجر من صيغة الأمر التي هي (انتهوا).([17])

فتركها المسلمون حتى أنهم من كثرة ما أراقوا من الخمر في طرقات المدينة وكأنها قد أمطرت السماء.

ب. أن تكون ملائمة لمستوى المدعو والمتلقي:

نستذكر جميعا قول سيدنا علي : (حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذّب الله ورسوله).([18])

لأن المخاطبة بأعلى من المستوى ستؤدي إلى عدم تفاعله وبالتالي يؤدي به إلى التكذيب وعدم القبول.

 

 

 

المطلب الثاني

الخطة والتخطيط

ليس بدعا من القول ولا نافلة أن نقول أن العمل بلا تخطيط لا يجني ثماره يانعة في وقت قطافها، وربما قطف الثمار بعد فوات الأوان لا قبله.

ولو تفحصنا حياة العظماء وقبلهم الأنبياء المسددون بالرسالة لوجدنا أن حياتهم ودعوتهم إنما كانت وفق خطة مرسومة معلومة الأهداف، ولم يتركوا شيئا للظروف أو نسميه بلغتنا (على البركة).

فلذا كان لزاما علينا أن نخطط لواقعنا وحاضرنا ومستقبلنا، مستفيدين من الماضي بعد إجراء دراسة شاملة نحدد فيها عناصر القوة والضعف، معتمدين على القوة العظمى قوة الله تبارك وتعالى، وتعال معي لنتعرف سوية على الخطة والتخطيط وفائدتهما ونحن ننشئ دورة قرآنية نريد أن تكون مثالية ناجحة.

التخطيط:

هو التنبؤ بسير المستقبل في أمر معين والسيطرة عليه من أجل الوصول لأهداف وغايات… أو هو منظمة واعية لاختيار أحسن الحلول الممكنة للوصول إلى أهداف معينة.([19])

وعرفه هنري فايول: بأنه التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل مع الاستعداد لهذا المستقبل.([20])

إذاً فهو أداة إدارية تهدف إلى تحقيق الغاية والوصول إلى الهدف المطلوب عن طريق الاستخدام الأمثل للموارد.

وبملخص العبارة: التخطيط = تنبؤ + خطة

الخطة:

هي برنامج زمني (يومي، أسبوعي، شهري، فصلي، سنوي) يحدد خطوات تنفيذ واجبات ومهام مدير الدورة خلال الفترة الزمنية المتاحة له خلال العطلة الصيفية.([21])

بعد هذا على من يتصدر العمل الإسلامي ويروم إنشاء دورة قرآنية في المسجد فلابد وقبل أن يعلن عنها أن يجلس مع نفسه جلسة يسأل فيها نفسه الأسئلة الآتية:

1. ماذا أريد من هذه الدورة؟ وهذا يعني (الرؤية والهدف).

2. أين أنا في أي مجتمع وماذا عليه المجتمع؟ وهذا يعني (الواقع والمعطيات).

3. كيف أصل لما أريد؟ وهنا تأتي الخطة والتخطيط، وهذا يعني (الخطة والتخطيط).

وبالإجابة عن هذه الأسئلة ستتكون لديه صورة واضحة لمستقبل منظور يفتح له العقل اللاواعي ملفا خاصا، يتطور هذا الملف كلما زاد التفكير فيه يصبح سجية وسلوكا، عندها يتحول منشئ الدورة إلى عامل مؤثر يمشي على الأرض يؤثر بكل تصرفاته بالآخرين وسيصل إلى هدفه بإذن الله تعالى.

عناصر التخطيط

التخطيط الناجح لابد له من عناصر، وهذه العناصر تحدد كون هذا التخطيط ناجحا أو غير ناجح وهي:

1. تحديد الهدف: ما الفائدة من التخطيط ووضع الخطة، وأنت لا تعرف ماذا تريد، ومن اللطيف أن نذكره: سأل رجل رجلا وجده عند مفرق طرق، فقال: أين الطريق؟ فسأله الآخر: إلى أن تريد؟ فقال: لا أعلم، فأجاب: اسلك أي الطرق فإنك لا تصل.

2. رسم السياسات: وهي القواعد التي تحكم تصرفات المدرسين والطلاب داخل الدورة في استخدامهم للعناصر الموجودة.

3. تحديد الموارد – كما ونوعا مادية وبشرية – فمدير الدورة المنشئ لها لابد أن يحدد إمكانياته من وجود للمدرسين وكذا المكان المناسب، وكذا الإمكانيات المادية لنجاح الدورة من وجود أجزاء قرآنية ومنهج للدورة وغير ذلك.

4. إقرار الإجراءات: وهي الخطوات التفصيلية التي تتبع في تنفيذ مختلف العمليات.

5. وضع البرامج الزمنية: وهي ترتيب الأعمال الواجب القيام بها ترتيبا زمنيا مع ربط بعضها.([22])

أهمية الخطة:

الخطة مهمة جدا، وتتبين أهميتها من خلال ما يأتي:

1. برمجة عمل الدورة وفق أسس علمية ثابتة.

2. تكون بمثابة مفكرة لمدير الدورة لأعماله على مدار وقت الدورة.

3. إشعار العاملين في الدورة بدورهم القيادي في المشاركة في الإدارة عندما تعرض عليهم الخطة وسيشعرهم بأهمية ذواتهم، لا أنهم كالدمى يحركون ولا يبدعون.

4. تعتبر مؤشرا لتنفيذ الأعمال المطلوبة من مدير الدورة بشكل خاص ودور الدورة في المسجد بشكل عام.

5. تسهم في إعطاء تصور واضح عن قدرة مدير الدورة ودوره القيادي.([23])

شروط الخطة:

الخطة الجيدة لابد لها من شروط حتى تكون نافعة وصالحة للتطبيق، وإلا كانت مجرد حبر على ورق لا ترى النور، ومن هذه الشروط:

1. الوحدة: أي وجود خطة واحدة في الدورة تتفرع عنها خطط فرعية متكاملة مع الخطة الرئيسية وغير متعارضة معها.

2. قبولها للتقويم المستمر: وهذا حين تربط بالرقابة الدائمة والوقوف على النتائج التي تم جنيها من الإجراءات التي تم تنفيذها.

3. المرونة: يجب في الخطة أن تكون مرنة بحيث تكون لها القابلية على التكيف مع التغيرات والظروف الخارجية.

4. الدقة: يجب أن تكون الخطة دقيقة بحيث تكون مطابقة لبيانات التنبؤ بواقع المستقبل.

5. ممكنة التطبيق: يجب في الخطة أن تكون مما يمكن تطبيقه؛ فلا فائدة من الخطط الخيالية، وكما قيل قديما: (إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع).([24])

أنواع الخطط:

للخطط أنواع كثيرة من حيثيات متنوعة، والذي يعنينا في مجال الدورات أنواع الخطط من حيث الزمن أو الطول أو القصر، وهي:

1. الخطة المستقبلية: وهي الخطة العامة للدورة.

2. الخطة المرحلية: وهي الخطة لكل مرحلة، بحيث تقسم الدورة إلى مراحل وكل مرحلة تضع لها خطة.

3. الخطة التكتيكية: وهي الخطة لكل درس من دروس الدورة.([25])

وإليك المخطط الذي يوضح رسم الخطة:

 

 

 

1) الخطة المستقبلية: وهي الوصول إلى الهدف الستراتيجي (زرع القيم… 

حفظ جزء):

       زمنها: أربعة أشهر:

       

المحاضرة العملي

زرع القيم استخدام السبورة

لتوضيح المعلومات استخدام الداتا شو

لعرض الأمور المناسبة مقاطع الفيديو

المناسبة المسابقات التي

تدفع نحو الهدف الندوات

الموضحة للهدف

   

2) الخطة المرحلية: وهي الوصول إلى الهدف المرحلي (الأخلاق البيتية + حفظ ربع جزء)

زمنها: شهر واحد، بواقع درسين في الأسبوع

 الأسبوع الأول  الأسبوع الثاني  الأسبوع الثالث  الأسبوع الرابع 

الدرس الأول الدرس الثاني الدرس الأول الدرس الثاني الدرس الأول الدرس الثاني الدرس الأول الدرس الثاني

   

بواقع ساعة واحدة فقط

  

تحفيظ سورتي الفلق والناس ثلاثة أرباع الساعة السلام على الوالدين عند الدخول والخروج من المنزل وتقبيل يديهما ربع ساعة

   

… وهكذا لكل درس، مع استخدام الوسيلة المناسبة كما بيناها في الخطة المستقبلية.

3) الخطة التكتيكية (الآنية)

الدرس الأول

 الدرس الأول 

تحفيظ سورتي الناس والفلق ثلاثة أرباع الساعة، والطريقة المستخدمة هي القراءة الجماعية والتسميع الفردي غرس خلق السلام على الوالدين وتقبيل يديهما ربع ساعة والوسيلة محاضرة بسيطة و حديث نبوي مناسب وعملي لمجموعة من الطلاب

   

… وهكذا لكل درس خطة معينة وأسلوب مناسب يرجع تحديده إلى مدرس الدورة.

المطلب الثالث

المعلومة

بعد أن تكلمنا عن الهدف والخطة المناسبة لتحقيق الهدف لابد أن نتكلم عن المعلومات التي تعطى لتحقق هذا الهدف، مع توافق تام بين الهدف والخطة والمعلومة.

تعريف المعلومة: جاءت من علم يعلم علما، وواحدته معلومة.([26])

وفي الاصطلاح: لا نجد فرقا بين الاصطلاحي واللغوي، فهما سواء.

فالمعلومة إذاً: هي المفردة المكتسبة التي يراد غرسها في نفوس الطلاب، وهي ذات أنواع تختلف باختلاف الحيثيات التي ينظر من خلالها.

أنواع المعلومة من حيث الماهية:

     

معلومة شرعية معلومة جغرافية طبية لغوية خيرية

   

وهي كثيرة جدا والذي يهمنا منها الشرعية.

أنواع المعلومة من حيث الصدق والكذب:

  

معلومة صادقة معلومة خاطئة

 

والذي يهمنا المعلومة الصادقة

 

شروط المعلومة:

للمعلومة شروط عدة، وهي كثيرة جدا، لكن الذي يهمنا منها في مجال الدورة القرآنية هي:

1. أن تكون مناسبة  للهدف المرسوم للدورة القرآنية:

وكما قيل قديما: (ما كل ما يعلم يقال) فقبل أن نعطي المعلومة لابد من وقفة تأمل نسأل فيها: هل هذه المعلومة مناسبة للهدف المنشود للدورة؟ وما هي قيمة هذه المعلومة في هذا الوقت؟

2. أن تكون مناسبة لعمر طلاب الدورة القرآنية:

فلا فائدة من إعطاء معلومة أعلى من مستوى المتلقي لأنه لا يستطيع فهمها، وبالتالي ستدفعه إلى تكذيبها أو ردها أو معاداتها، وكما قيل قديما (الإنسان عدو ما يجهل) وقول سيدنا علي : (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله).([27])

3. أن تكون مناسبة للخطة المرسومة لتحقيق هدف الدورة:

هناك بعض المعلومات وإن كانت صادقة لكنها غير ملائمة للخطة المرسومة للدورة، فإن أعطيت هذه المعلومة غير المناسبة حتما ستؤدي إلى نتائج عكسية غير مرغوب فيها، فلابد من مناسبة بين المعلومة والخطة.

وإليك عزيزي القارئ هذه الأمثلة من أقوال النبي تبين مناسبة المعلومة:

1- حديث البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)).([28])

فهذه الإجابة منه عليه الصلاة والسلام مناسبة للهدف والخطة والسائل، ونفهم هذا من خلال تدرج هذه المعلومات.

2- حديث البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث رأى رؤيا قصها لحفصة رضي الله عنها، بدورها قصتها لرسول الله فقال لها: ((نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل)) فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.([29])

انظر إلى ملائمة المعلومة للسائل حيث أحدثت نتائج بارعة جميلة؛ ذاك لأنها كانت مناسبة.

4. حديث مسلم: عن أبي ذر الغفاري قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)).([30])

قال الإمام النووي: “وفي الرواية الأخرى: ((يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، فلا تأمرن على اثنين))…”.([31])

المعلومة صيغتها جميلة ورقيقة، وكانت ملائمة للرجل، فكانت النتائج باهرة بحيث لم يتول أبو ذر أي منصب، ولم يطلب ذلك في حياته، فكان زاهد الصحابة بلا منافس، رحم الله أبا ذر، وصلى الله على حبيبنا محمد وسلم.

ويطيب لي أن أذكر بقصة سيدنا يوسف عليه السلام حال سجنه، وقد ذكرها القرآن الكريم حين سأله الرجلان تفسير رؤياهما، فلم يجبهما بتفسير الرؤيا مباشرة، بل استغل الفرصة وهي إقبال الرجلين، فأعطاهما المعلومة التي تحقق هدفه، قال تعالى: صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.([32])

ثم بعد ذلك أخبرهم بتفسير رؤياهم.

 

 

 

المطلب الرابع

الوسائل أو الإجراءات

بعد أن أنهينا الكلام عن الهدف والخطة والمعلومة، فلابد أن نبين بأن هذا الأمر لا يتحقق إلا إذا استخدمت الوسائل المناسبة، وإلا فإن الهدف والخطة والمعلومة ستبقى حبيسة لدى الشخص ما لم يكن لديه الوسيلة الناجحة لإيصالها إلى المتلقي.

وفي هذا المطلب سأذكر أهم الوسائل الفعالة في الدورات القرآنية لكي ننهض بها من الواقع إلى الطموح:

1. المحاضرة: وهي أن يلقي المدرس كلمة مركزة تحتوي على مقدمة وبراعة استهلال، ثم المعلومة التي يراد غرسها مقسمة ومنقطة بدون إسهاب، ثم خاتمة يركز فيها على أهم قضية يريد غرسها.

فالمحاضرة وسيلة مهمة في غرس القيم إذا أحسن استخدامها وأحسن اختيار وقتها، ذكر البخاري أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود فقال له: لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: (أما أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي يتخولنا بها، مخافة السآمة علينا).([33])

فالمعلومة المناسبة بالوقت المناسب بالمكان المناسب، تحدث تغييرا في سلوكيات المتلقي، وفي هذا الصدد يقول الدكتور إبراهيم الفقي: “أول برمجة اكتسبناها في حياتنا من الأب والأم، وقد قالت ذلك الملكة إليزابيث الثانية: لقد تعلمت كما يتعلم الفرد من مشاهدة الأب والأم وتقليدهم تماما، تعلمنا من الوالدين الكلمات ومعناها، وتعبيرات الوجه، وتحركات الجسم، ومعنى الأحاسيس والسلوكيات، والقيم والاعتقادات الدينية، والمبادئ والمثل العليا، ولأنها أول برمجة لنا في هذا العالم ومن أهم الأشخاص لنا أصبحت برمجة راسخة ومرجعا أساسيا في التعامل مع أنفسنا أو مع العالم الخارجي”([34]) وهذه البرمجة تحدث من خلال المحاضرة إذا توفرت فيها سبل النجاح من قصر وقتها ومناسبة المعلومة فيها واختيار المكان الأمثل لها.

2. التطبيقات العملية: الإنسان لدية من الإمكانية الهائلة لتخزين الصور، وهو ميال إليها أكثر من ميله إلى الموعظة والمحاضرة، فعلى مدير الدورة أن يترجم المعلومات التي يريد غرسها إلى وقائع عملية أو مشاهد يراها الطالب، فهي أسرع وألصق في الذهن من الكلمات، وإليك مثالا من حياة النبي : ما رواه ابن ماجه عن المستورد بن شداد قال: إني لفي الركب مع رسول الله إذ أتى على سخلة منبوذة قال: فقال: ((أترون هذه هانت على أهلها)) قال: قيل: يا رسول الله، من هوانها ألقوها أو كما قال، قال: ((فوالذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهله)).([35])

ما أروع الصورة العملية التي سيذكرها الصحابة كلما رأوا هذا المشهد، ونحن نذكرها كلما مر علينا هذا المشهد، فكر أخي هل تفعل الكلمات مثل هذه الأفعال وتتكرر.

3. المقاطع الإعلامية: من الأمور التي بلينا بها وتجعل عملنا التربوي وعمل مدير ومدرس الدورة صعبا للغاية ما يعرض في أجهزة الإعلام، يقول الفقي: “إن الطفل العادي قبل أن يصل إلى الثانية عشرة من عمره شاهد ما يعادل (000 12) جريمة قتل في البرامج والأفلام على شاشة التلفاز، مما أدى إلى أن واحدا من كل اثني عشر طفلا تحت الثانية عشر يمتلك مسدسا.

وقد أكد معهد الأبحاث النفسي والفسيولوجي في نيوزيلندا أن أكثر من 60% من حالات الاكتئاب يرجع السبب فيها إلى وسائل الإعلام التي تركز على السلبيات والصعوبات، والجنس والحروب، وضياع القيم”.([36])

وعلينا نحن أصحاب الحق أن نستخدم هذه الوسائل بالخير، فهي ذات وجهين، فلنحسن استخدامها و ((الحكمة ضالة المؤمن من أي وعاء خرجت فهو أحق بها))([37]) وكما قيل قديما: (وداوهم بالتي هي الداء) فالواجب إذاً أن نختار الجيد منها وننشر بما يخدم هدفنا في الدورة، أو نحن نقوم بعمل درامي يخدم هدفنا.

4. المسابقات: يقول تعالى: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ([38]) والمنافسة تولد لدى الإنسان التحدي، الذي بدوره يفجر الطاقات الهائلة الكامنة في داخل الإنسان، ولابد علينا أن نستخدم هذا الأسلوب استخداما كثيرا ومميزا بما يخدم الهدف المنشود، وقد ورد في الأثر: أن رجال دخل والرسول يخطب، ثم لبث قليلا وانصرف، فنزل جبريل عليه السلام، فأخبر النبي بأنه عين وجاسوس، فقال النبي : ((من يأتيني به وله الجنة)) قال سلمة بن الأكوع: فقام رجلان أحدهما يملك بعيرا والآخر حمارا، فلحقا به، فقمت ثم جلست، فقلت في: إنها الجنة، فخرجت أطلبه، فوجت الرجل قد استظل بشجرة، فوقعت عليه قائلا: قم يا جنتي، وجئت النبي به وأنا أقول: أنا سلمة بن الأكوع، أغلب ذوات الأربع.

أنظر أخي ماذا صنعت المنافسة، فجرت القوة الكامنة التي استطاعت أن تغلب ذوات الأربع، ففجر قوى طلابك في الدورة بإذكاء نار المنافسة بينهم، والله الموفق.

أخي الكريم، هنالك وسائل كثيرة ومبتكرة يطول المقام بذكرها، ابتكرها أنت ونفذها أنت.

 

 

 

المطلب الخامس

التفاعل

وأعني بالتفاعل الاعتقاد بما يقول ويدعو إليه، فما خرج من القلب فمحله القلب، وما خرج من اللسان فإنه لا يتعدى الآذان.

وما أعنيه أيضا بالتفاعل: هو إظهار الاهتمام بطلاب الدورة جميعا وعلى صعيد واحد… وإني في هذا المقام أدعوك حبيبي – مدير الدورة ومدرسها – إلى رحلة قصيرة في هذا الشأن:

الرحلة الأولى: الاعتقاد بما نقول ونفعل

هل تعلم أخي الحبيب أن الاعتقاد هو: عبارة عن فكرة صادفتها فكرة أخرى، فتحولت إلى اعتقاد، إذاً فما هي فكرتك عن العمل الذي تقوم به، أهو نافع أم ضار؟ أهو ناجح أم فاشل؟ أهو بالمستوى المطلوب أم غير ذلك؟ قل لي فكرتك عن العمل أقل لك ما هو اعتقادك فيه.

وهذا ما يعرفه علماء النفس بالاستراتيجية العقلية، فقد ذكروا عنها بأنها: مجموعة الأفكار المتتالية والمحدودة، يربطها الإنسان بزمان أو مكان، ويدعهما باعتقاد وتوقع، حتى تصبح حقيقة وواقعا ينتظره في نفس الزمان والمكان.([39])

سلوك واعتقاد

نتيجة

فكرة3

فكرة2

فكرة1

وإليك هذا الرسم التوضيحي:

 

 

 

فلا تأمر بشيء لا تعتقد به، فإنك لا تجد أذنا صاغية، وصدق الشاعر حيث يقول:

يا أيها الرجل المعلم غيــــــره          هلا لنفسك كان ذا التعليـم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى              كيما يصح به وأنت سقيـم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيهـــــا        فإن انتهت عنه فأنت حكيم([40])

وأصدق شيء في ذلك وعظ رسول الله الصحابة الكرام حين وجدهم يخوضون في القدر، وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب.([41])

وفي هذا الأثر يظهر لنا الرسول الأعظم متفاعلا مع ما يقول، حتى بان على وجهه الشريف.

هل تعلم – أخي الكريم – أن العقل الباطن تحكمه قوانين، ومن هذه القوانين (قانون نشاطات العقل الباطن) ويعني هذا القانون أن أي شيء تفكر فيه – سواء كان ذلك سلبيا أو إيجابيا – فإنه ينتشر ويتسع من نفس النوع،([42]) فلو فكرت في القلق ستكون حساسا جدا لأي شيء يقلق، ولو فكرت في الدورة ستكون حساسا جدا لأي شيء يتعلق بها، بحيث الصورة الموجودة في العقل والملف الموجود في العقل سيكبر ويتوسع، لأنك عندما تكسب أي معلومة جديدة عن الدورة بلا شعور سيخزنها العقل في هذا الملف، حتى تكون الدورة من كثرة التفكير فيها همك وزادك وشرابك.

وهذا ما عناه النبي حين قال: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقهر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)).([43])

وفي رواية: ((ومن كانت الآخرة همه)).

الرحلة الثانية: الاهتمام بطلاب الدورة جميعا

بعض مدرسي الدورات من حيث لا يشعر ينفر الطلاب من الدورة، وذلك حينما يقرب طالبا دون الآخرين، أو أنه غير متفاعل معهم وهو يطرح لهم فكرته ودرسه، وهذا فيه سلبية كبيرة على نتائج الدورة، فإنها آنذاك لا تؤتي أكلها ولا تقطف ثمارها، ويثير هذا التصرف ضغينة بقية الطلاب.

وأروي لك قصة قرأتها قديما: قصة الصالح إبراهيم التستري يقول: كان يميزني أستاذي على بقية الطلاب، فأثار حسدهم وأشعله، فشكوه إلى ذويهم، وذات يوم اجتمع ذوو الطلاب وعاتبوه، لكنه كان عالما، فأقعنهم بعملية جميلة: أمر الأستاذ التلاميذ بأن يأتوا بدجاجة وسكينة لكل واحد منهم ويذبحها بحيث لا يراه أحد، فذهبوا سراعا وعادوا وقد فعلوا الذبح، إلا إبراهيم التستري، فقد تأخر ولم يفعل، فلما رأوه صاحوا جميعا: هذا الذي تميزه على أبنائنا، فقال: انتظروا قليلا نسمع منه، فقال له الأستاذ: ما لك لم تفعل ما أمرتك به؟ فقال: يا أستاذ، أنت أمرتني بأن أذبحها في مكان لا يراني أحد، وإني كلما اختبأت خلف شجرة أو صخرة وجدت أن الله ناظري، الله شاهدي، الله معي، فاعتذروا له جميعا.

انظر أخي ماذا فعل التمييز لولا حنكة الأستاذ.

وهذا نبيك كما يروى عنه أنه سأله ذات يوم عمرو بن العاص وكان اعتقد أنه أحب الناس إلى النبي لما يجد من الحفاوة به وما يخصه رسول الله بالابتسامة والنظرات: من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ فقال: ((عائشة)) فقال: من الرجال؟ قال: ((أبوها)) يقول عمرو، فكلما قلت له: ثم من؟ يذكر آخر ولا يذكر اسمي، حتى قارب العدد عشرين رجلا، فسكت وقد أقنعت نفسي أني ذاك الرجل.

وهذا درس عظيم أنه عليه الصلاة والسلام كان يوزع عليه المحبة والاحترام حتى ظن أحدهم أنه أحب الناس إلى قلبه الشريف.

 

 

 

الخاتمة

       وبعد هذه الرحلة العلمية أود أن أسطر لك ما توصلت إليه من نتائج، وهي:

       1) كل عمل يحتاج إلى تخطيط، فمن سلك الطريق الخطأ وصل إلى النتيجة الخاطئة، فإذا سلك نفس الطريق مرة أخرى فإنه سيصل إلى نفس النتيجة، وكما قيل قديما: (من يزرع الشوك لا يجني العنب).

       2) على مدير الدورة أن يكون ذا هدف يجعله لدورته يعمل على تحقيقه، ولا بد له من إرادة، وكما قال الشاعر (أبو القاسم الشابي):

إذا الشعب يوما أراد الحياة                 فلا بد أن يستجيب القـدر

ولابد لليل أن ينجـــلي                ولا بد للقيد أن ينكســر

ومن يتهيب صعود الجبال                 يعش أبد الدهر بين الحفر

       3) لابد من تعدد الوسائل التي من خلالها نوصل المعلومة التي تصب في تحقيق الهدف، ونترك التقيد والجمود وعدم الابتكار، ففي النفس طاقات كامنة تنتظر من يفجرها.

       4) المعلومة لا تعطى جزافا بل لابد أن تكون بقدر حتى تنفع ولا تضر، فلكل مقام مقال.

       5) ما خرج من القلب فمحله القلب، وما خرج من اللسان فلا يتعدى الآذان، فعلينا إخراج المعلومات من قلوبنا مع التفاعل والاعتقاد بها.

       وبعد هذا، أشكر الله تعالى على تمام فضله وجوده، بأن يسر لي الكتابة في هذا الموضوع.

الباحث

قائمة المصادر

1.     الأحاديث المختارة: لأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، ط1 ، 1410هـ ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.

2.     أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد بن المختار الشنقيطي، تحقيق: مكتبة البحوث والدراسات، 1995م ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

3.     الجامع الصحيح المختصر: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، ط3 ، 1987م ، ابن كثير اليمامة، بيروت.

4.     سنن ابن ماجه: لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.

5.     شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ط2 ، 1392هـ ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

6.     صحيح مسلم: أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

7.     غريب الحديث: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، مطبعة العاني، بغداد، 1397هـ ، ط1 ، تحقيق: د. عبد الله الجبوري.

8.               فن وأسرار اتخاذ القرار.

9.               قوة التحكم بالذات.

10.         لسان العرب: لمحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، لبنان.

11.   المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، ط1 ، 1993م ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

12.         مسند الإمام أحمد بن حنبل: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباوي، مؤسسة قرطبة، مصر.

13.   مشارق الأنوار على صحاح الآثار: لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، المكتبة العتيقة، ودار التراث، بيروت، لبنان.

14.         مضايف شمر (شبكة المعلومات الدولية ـ الإنترنت) (www.shmmr.net).

15.   المعجم الكبير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق حمدي بن عبد الحميد السلفي، مكتبة الزهراء، الموصل، ط2 ، 1983م.

16.         مقالة للأستاذ سعيد محريسي، من موقع وزارة التربية والتعليم (www.badn2002.net).

17.         مهارات التخطيط: إعداد مصطفى عباس علي.

 

 

([1]) مشارق الأنوار: 2/ 266.

([2]) غريب الحديث لابن قتيبة: 1/ 578.

([3]) لسان العرب: 9/ 347.

([4]) الطبراني في المعجم الكبير: 17/ 77 ، برقم (169).

([5]) قوة التحكم بالذات: إبراهيم الفقي: 43.

([6]) مسند الإمام أحمد: 1/ 431 برقم (758).

([7]) الأحاديث المختارة: 8/ 327 برقم (394) وإسناده صحيح.

([8]) رواية ذكره صاحب تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 4/ 493.

([9]) صحيح البخاري: 1/ 419 برقم (1185).

([10]) ينظر: فن وأسرار اتخاذ القرار: إبراهيم الفقي: 41 وما بعدها.

([11]) سورة النحل.

([12]) أضواء البيان: 2/ 404.

([13]) سورة البقرة.

([14]) أضواء البيان: 2/ 404.

([15]) سورة النساء.

([16]) سورة المائدة.

([17]) أضواء البيان: 2/ 405.

([18]) صحيح البخاري: 1/ 59 برقم (127).

([19]) شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) موقع مضايف شمر (www.shammar.net).

([20]) مهارات التخطيط لمصطفى عباس علي: 21.

([21]) الأستاذ سعيد مريسي، عن موقع وزارة التربية والتعليم (www.bdn2002.net).

([22]) ينظر: مهارات التخطيط: لمصطفى عباس علي: 21.

([23]) ينظر: الأستاذ سعيد حريسي، موقع وزارة التربية والتعليم (www.bdn2002.net).

([24]) ينظر: مهارات لغوية: 22 ، والأستاذ سعيد مريسي، الموقع.

([25]) ينظر: موقع مضايف شمر.

([26]) لسان العرب، مادة (ع ل م).

([27]) صحيح البخاري: 1/ 59 برقم (127).

([28]) صحيح البخاري: 1/ 18 برقم (26).

([29]) صحيح البخاري: 1/ 378 برقم (1070).

([30]) صحيح مسلم: 3/ 1457 برقم (1825).

([31]) شرح النوو يعلى صحيح مسلم: 12/ 210.

([32]) سورة يوسف، آية: 39 ، 40.

([33]) صحيح البخاري: 1/ 39 برقم (70).

([34]) قوة التفكير: للدكتور إبراهيم الفقي: 12.

([35]) سنن ابن ماجه: 2/ 1377 برقم (4111).

([36]) قوة التفكير: للدكتور إبراهيم الفقي: 13.

([37]) حديث أبي هريرة رواه ابن ماجه: 2/ 1395 برقم (4169).

([38]) سورة المطففين: آية: 26.

([39]) ينظر: قوة التفكير: للدكتور إبراهيم الفقي: 23.

([40]) البيت لأبي الأسود الدؤلي من قصيدته الشهيرة.

([41]) مسند الإمام أحمد: 2/ 178 برقم (6668).

([42]) قوة التفكير: 96.

([43]) سنن ابن ماجه: 2/ 1375 برقم (4105).