حكم المسح على العمامة

0
41
مسألة : المسح على العمامة 

 اختلف العلماء في حكم المسح على العمامة أيجزيء عن مسح الرأس أم لا؟ إلى مذهبين:

المذهب الأول: إجزاء الإقتصار على مسح العمامة عن مسح الرأس؛ وهو المذهب الذي ذهب إليه الإمام المباركفوري ورجحه بقوله:(( قال النووي في شرح مسلم … ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئاً من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء، وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف انتهى كلام النووي. قلت: والمرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل لأحاديث الباب والله تعالى أعلم))([1]).

وبه قال: ابو بكر، وعمر بن الخطاب، وأنس، وأبو إمامة، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن مالك، وأبو الدرداء، وعبد الرحمن بن عوف، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وقتادة، ومكحول، والأوزاعي، وأبو ثور، وابن المنذر، والثوري، وإسحاق، ووكيع بن الجراح، والطبري، والقاسم بن سلامy([2]).

وإليه ذهب: الحنابلة([3])، واشترطوا لجواز المسح على العمامة شروط:

 1ـ أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين.

 2 ـ أن تكون على صفة عمائم المسلمين بأن يكون تحت الحنك منها شيء؛ أو يكون لها ذؤابة [ وهي طرف العمامة المرخي ].

 3 ـ أن تكون مما يشق نزعها.

ووافقهم في ذلك الظاهرية([4]). 

المذهب الثاني: عدم إجزاء الإقتصار على مسح العمامة عن مسح الرأس مطلقاً.

وبه قال: علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر y ، وعروة بن الزبير، والشعبي، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، والقاسم بن سلام، والحسن بن صالح ، والثوري [في رواية ]، والطبري ، وابن خزيمة ، وابن المبارك([5]).

وإليه ذهب: الحنفية([6])، والمالكية([7])، والشافعية([8])، والإمامية([9]).

الأدلة ومناقشتها 

 أدلة المذهب الأول:

1 ـ عن جعفر بن عمرو عن أبيه y ، قال:( رأيت النبي r يمسح على عمامته وخفيه)([10]).

2 ـ عن بلالt  🙁 أنَّ رسول الله r مسح على الخفين والخمار)([11]).

2 ـ عن المغيرة بن شعبة t 🙁 أنَّ النبي r مسح بناصيته وعلى العمامة)([12]).

          وجه الدلالة: ظاهر من ألفاظ الأحاديث أن النبي r مسح على عمامته فدل ذلك على جواز الاقتصار عليه.

واعترض على هذه الأحاديث من ثلاثة أوجه:

الأول: إنَّها أحاديث منسوخة؛ قال الإمام المباركفوري:(( قال الإمام محمد [أي محمد بن الحسن] في موطئه بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك))([13]).

وأجاب الإمام المباركفوري قائلاً:(( لا بد لمن يدعى أن المسح على العمامة كان فترك أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح، ولا يثبت النسخ بمجرد قول الإمام محمد المذكور كما لا يخفى على العالم المنصف))([14]).

الثاني: إنَّ هذه أخبار مضطربة الأسانيد وفيها رجال مجهولون([15]).

الثالث: إنَّه وقع فيها اختصار، والمراد مسح الناصية والعمامة ليكمل سنة الاستيعاب ، يدل على صحة هذا التأويل أنه صرح به في حديث المغيرة([16]).

3 ـ عن ثوبان t قال:( بعث رسول الله r سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله r أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين([17]))([18]).

وجه الدلالة: إنَّ العصائب هي العمائم؛ وقد سميت بذلك لأنَّ الرأس يُعصب بها فكل ما عصبت به رأسك من عمامة ومنديل أو عصابة فهو عصابة([19]).

واعترض عليه من وجهين:

أحدهما: إنَّ هذا الحديث لا يصلح للاستدلال؛ لأنه منقطع؛ فإن راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان([20]).

والآخر: إنَّه محمول على معنى أنهم مسحوا على بعض الرأس وعلى العمامة([21]).

4 ـ لأنَّه عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائل دونه كالرجل في الخف([22]).

5 ـ قد ثبت المسح على الرأس فقط؛ وعلى العمامة فقط؛ وعلى الرأس والعمامة؛ والكل صحيح ثابت. فقصر الأجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين([23]).

6 ـ لأنه قول كثير من الصحابة الذين روي عنهم المسح على العمامة ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم([24]).

7 ـ لأنَّ العمامة صارت حائلاً في محل ورد الشرع بمسحها فجاز المسح عليها قياسا على الخفين([25]).

واعترض: بأنه قياس بعيد؛ لأنَّ الخف يشق نزعه؛ بخلاف العمامة إذ خلعها يتحصل من دون مشقة([26]).

وأجيب: بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف وطريقه أن تكون محنكة كعمائم العرب([27]).

أدلة المذهب الثاني:

1 ـ قولهU ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ([28]).

وجه الدلالة: إن حقيقته تقتضي إمساس الرأس بالماء ومباشرته؛ وأن العمامة ليست برأس، ومن مسح على العمامة لم يمسح على رأسه؛ فلا تجزيه صلاته إذا صلى بذلك الوضوء([29]).

واعترض: بأن المراد بالآية المسح على الرأس أو حائله؛ ومما يبين ذلك أن المسح في الغالب لا يصيب الرأس وإنما يمسح على الشعر وهو حائل بين اليد وبينه فكذلك العمامة فإنَّه يقال لمن لمس عمامته أو قبلها : قبل رأسه ولمسه وكذلك أمر بمسح الرجلين واتفقنا على جواز المسح حائلهما([30]).

2 ـ عن أبي عبيدة قال: سألت جابر بن عبد اللهt  عن المسح على الخفين ؟ فقال:( السنة يا أخي )؛ وسألته عن المسح على العمامة ؟ فقال:( أمس الشعر بالماء)([31]).

3 ـ عن عطاء t: ( أن رسول الله r توضأ، فرفع العمامة، فمسح مقدم رأسه)([32]).

4 ـ لأنَّ الرأس عضو وطهارته المسح؛ فلم يجز المسح على حائل دونه كالوجه، واليد في التيمم([33]).

 5 ـ لأن الرأس عضو لا تلحق المشقة في إيصال الماء إليه غالباً؛ فلم يجز المسح على حائل منفصل عنه؛ كاليد في القفاز، والوجه في البرقع، والنقاب([34]).

الترجيح 

 بعد ذكر مذاهب العلماء في بيان حكم إجزاء المسح على العمامة، وبيان أدلة كل مذهب فيما ذهب إليه؛ فاني أميل إلى ترجيح المذهب الثاني القائل بعدم إجزاء مسح العمامة عن مسح الرأس ؛ لان الأحاديث التي استدل بها أصحاب المذهب الأول لم تبين صراحة انه r مسح على العمامة ولم ينزعها ، وأيضا فإن العلماء متفقون بأنه يحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم والسبب والأحاديث الواردة مطلقة ومقيدة وهما في أمر واحد ، وأيضا فإن الأحاديث الدالة على المسح على بعض ألراس والإكمال على العمامة أيضا صحيحة فجمعنا بها بالقول بعدم جواز الاقتصار على مسح العمامة بل لابد من مسح الرأس مع إمكانية أن يكمل الماسح استيعاب المسح على العمامة.

([1]) تحفة الأحوذي: 1/289 ـ 290 ، شرح مسلم للنووي: 3/172.

([2]) ينظر: سنن الترمذي: 1/170 ، أحكام القران للجصاص: 3/357 ، شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال: 1/307 ، الحاوي الكبير: 1/119 ، المحلى: 2/61 ، الاستذكار: 1/211 ، شرح السنة: 1/453 ، بداية المجتهد: 1/15، المغني: 1/184 ، المجموع: 1/464 ، الشرح الكبير: 1/150 ، شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي: 1/678 ، فتح الباري لابن حجر: 1/309 ، شرح سنن أبي داود للعيني: 1/345 ، مواهب الجليل: 1/207 ، نيل الاوطار: 1/205 ، عون المعبود: 1/171 ، تحفة الاحوذي: 1/291.

([3]) ينظر: المغني: 1/184 ، الكافي في فقه ابن حنبل: 1/39 ، الشرح الكبير: 1/150 ، زاد المستقنع: 1/26 ، المبدع: 1/137 ، الإنصاف: 1/186 ، الروض المربع: 1/60 ، أخصر المختصرات في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لمحمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي (1006ـ 1083) تحقيق: محمد ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية ـ بيروت (1416): 1/94.

([4]) ينظر: المحلى: 2/58 و61.

([5]) ينظر: سنن الترمذي: 1/170 ، أحكام القرآن للجصاص: 3/357 ، شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال: 1/307 ، المحلى: 2/61 ، الاستذكار: 1/211 ، المجموع: 1/464 ، شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي: 1/678 ، فتح الباري لابن حجر: 1/309 ، نيل الاوطار: 1/207 ، عون المعبود: 1/171 ، تحفة الاحوذي: 1/293.

([6]) ينظر: أحكام القران للجصاص: 3/357 ، شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال: 1/307 ، المبسوط للسرخسي: 1/101 ، الهداية شرح البداية: 1/30 ، الاختيار: 1/29 ، العناية: 1/251 ، البحر الرائق: 1/193 ، اللباب شرح الكتاب: 1/20.

([7]) ينظر: التلقين: 1/72 ، شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال: 1/307 ، الكافي في فقه أهل المدينة: 1/28 ، الاستذكار: 1/211 ، بداية المجتهد: 1/15 ، مواهب الجليل: 1/207.

([8]) ينظر: الأم: 1/26 ، كفاية الأخيار: 1/29 ، الإقناع، لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي (ت450هـ): 1/21 ، الحاوي الكبير: 1/119 ، المهذب: 1/18 ، شرح مسلم للنووي: 3/172 ، المجموع: 1/464 ، الإقناع للشربيني: 1/49 ، مغني المحتاج: 1/60.

([9])  ينظر: الامالي، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه الصدوق ألقمي(306 – 381هـ) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية – مؤسسة البعثة – قم ، ط1 (1417 ه‍): 3/267 ، الخلاف: 1/27 ، الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلي الهذلى (ت690ه‍) تحقيق وتخريج: جماعة من الفضلاء، مؤسسة سيد الشهداء العلمية بإشراف: الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني، المطبعة العلمية – قم (1405 ه‍): 1/76.

([10]) أخرجه البخاري ـ كتاب الوضوء ـ باب المسح على الخفين، برقم(202): 1/85.

([11]) أخرجه مسلم ـ كتاب الطهارة ـ باب المسح على الناصية والعمامة، برقم(275): 1/232.

([12]) أخرجه مسلم ـ كتاب الطهارة ـ باب المسح على الناصية والعمامة برقم(274): 1/228 ، الترمذي ـ كتاب الطهارة ـ باب ما جاء في المسح على العمامة، برقم(100): 1/170 ، بلفظ: ( توضأ النبي rومسح على الخفين والعمامة) وقال عنه:(( حديث حسن صحيح))، النسائي في السنن الكبرى ـ كتاب الطهارة ـ باب المسح على العمامة مع الناصية، برقم(108): 1/87.

([13]) تحفة الاحوذي: 1/295 ، ينظر: البحر الرائق: 1/193 .

([14]) تحفة الاحوذي: 1/295.

([15]) ينظر: أحكام القران للجصاص: 3/357 .

([16]) ينظر: المصدر نفسه ، شرح السنة: 1/453 ، المجموع: 1/466.

([17]) التساخين كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحو ذلك ، ينظر: غريب الحديث ، لحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان ، تحقيق : عبد الكريم إبراهيم العزباوي ، جامعة أم القرى – مكة المكرمة (1402هـ): 2/61.

([18]) سبق تخريجه: ص 147.

([19]) ينظر: المجموع: 1/465 ، نيل الاوطار: 1/207 ، تحفة الاحوذي: 1/287 و290.

([20]) ينظر: المراسيل: 1/59 ، تهذيب التهذيب: 3/226 ، تحفة الاحوذي: 1/287 و290.

([21]) ينظر: أحكام القران للجصاص: 3/357.

([22]) ينظر: الاستذكار: 1/211 ، المغني: 1/184 ، المجموع: 1/466 ، الشرح الكبير: 1/150 ، فتح الباري لابن حجر: 1/309.

([23]) ينظر: نيل الاوطار: 1/206.

([24]) ينظر: الشرح الكبير: 1/150.

([25]) ينظر: الاستذكار: 1/211 ، المغني: 1/184 ، تحفة الاحوذي: 1/291.

([26]) ينظر: فتح الباري لابن حجر: 1/309.

([27]) المصدر نفسه ، تحفة الاحوذي: 1/293.

([28]) المائدة: 6.

([29]) ينظر: أحكام القرآن للجصاص: 3/357 ، المجموع: 1/466 ، نيل الاوطار: 1/206، تحفة الاحوذي: 1/290.

([30]) ينظر: المغني: 1/185 ، الشرح الكبير: 1/151 ، نيل الأوطار: 1/206.

([31]) أخرجه الترمذي ـ أبواب الطهارة ـ باب المسح على العمامة، برقم(102): 1/172 ، البيهقي في السنن الكبرى ـ كتاب الطهارة ـ باب إيجاب المسح بالرأس وإن كان متعمما، برقم(287): 1/61.

([32]) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 1/23.

([33]) المجموع: 1/466.

([34]) ينظر: المهذب:1/18 ، المغني: 1/184، المجموع: 1/466، الشرح الكبير: 1/150، تحفة الاحوذي: 1/294.