حكم إعادة الصلاة مع الجماعة لمن صلاها منفردا

0
138

 إعادة الصلاة مع الجماعة

    من ادى الصلاة المفروضة منفردا، ثم وجد جماعة، أُستحب له ان يدخل معها لتحصيل الفضل في ذلك،([1]) وذلك لما روي عن ابي ذرt قال: قال رسول اللهr:(( كيف انت اذا كانت عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، او يميتون الصلاة عن وقتها؟ قلت: فما تأمرني؟ قال: صلي الصلاة لوقتها، فأن ادركتها معهم فصل، فانها لك نافلة)).([2])

وهذا بأتفاق العلماء: الحنفية،([3]) والمالكية،([4]) والشافعية،([5])والحنابلة،([6]) والزيدية.([7])

ولكنهم اختلفوا في الفريضة؛ هل هي الصلاة الاولى؛ ام الثانية؟ الى مذهبين:

 المذهب الاول: ان الصلاة الاولى تكون فرضا والثانية نفلا.

وهذا ما رجحه الامام المباركفوري حيث قال:(( ان الفريضة هي الصلاة الاولى والثانية نفلا، وهذا هو القول الراجح، واما قول من قال: بأن الفريضة هي الثانية؛ فلم يقم عليه دليل)).([8])

واليه ذهب الجمهور من الحنفية،([9]) والمالكية،([10])  ومذهب اكثر الشافعية، وهو قول

الشافعي في الجديد.([11]) والحنابلة.([12]) والزيدية.([13]) والظاهرية.([14])

 المذهب الثاني: إن الصلاة الاولى نفل، والثانية هي الفريضة.

وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والشعبي، والاوزاعي،([15])

واليه ذهب الشافعي في الرأي القديم بقوله: يستحب ايهما شاء، ومذهب بعض الشافعية.([16]) والامامية.([17])

    الأدلة ومناقشتها

أدلة المذهب الاول:

استدل اصحاب المذهب الاول القائلون بأن الفريضة هي الصلاة الاولى، والثانية نفلا، بأدلة نقلية، منها:

1- حديث جابر بن يزيد بن الاسود عن ابيه قال: شهدت مع النبيr حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف. قال: فلما قضى صلاته وانحرف اذا هو برجلين في اخرى القوم لم يصليا معه، فقال:((عليً بهما))، فجيء بهما ترتعد فرائصها، فقال:(( ما منعكما ان تصليا معنا))؟ فقالا: يا رسول الله انا كنا قد صلينا في رحالنا، فقال:(( لا تفعلا اذا صليتما في رحالكما؛ ثم اتيتما مسجد جماعة؛ فصليا معهم، فأنها لكما نافلة)).([18])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على ان الصلاة الثانية هي نافلة والاولى فريضة، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

 2- حديث أبي ذرt قال: قال رسول اللهr:(( كيف انت اذا كانت عليك امراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، او يميتون الصلاة عن وقتها؟ قلت: فما تأمرني؟ قال: صلي الصلاة لوقتها، فأن ادركتها معهم فصل، فانها لك نافلة)).([19])

 وجه الدلالة:

وهذا ايضا تصريح منهr في ان الصلاة الثانية تكون هي النافلة، والاولى فريضة، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

   أدلة المذهب الثاني

أستدل اصحاب المذهب الثاني القائلون بأن الصلاة الاولى تكون نفلا، والثانية هي الفريضة بحديث يزيد بن عامر قال:(( جئت والنبيr في الصلاة فجلست ولم ادخل معهم في الصلاة، قال: فانصرف علينا رسول اللهr فرأى يزيد جالسا فقال:(ألم تسلم يا يزيد)؟ قال: بلى يا رسول الله قد أسلمت، قال:(( فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم)؟ قال: إنى كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال:(( إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصلِ معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة)).([20])

 وجه الدلالة:

يدل الحديث على ان الصلاة الاولى هي النافلة، والصلاة الثانية هي المكتوبة.

ويمكن ان يجاب عنه:

بأن الحديث ضعفه النووي، وقد ثبت بالروايات الصحيحه ان الصلاة الاولى هي الفريضة، والصلاة الثانية تكون نفلاً.([21]) وقال البيهقي: حديث يزيد بن الاسود أثبت منه واولى.([22])

                                     الترجيح

وبعد العرض للاقوال وادلتها، واجراء المناقشة لها، فالرأي الراجح هو القول القائل: بأن الصلاة الاولى هي الفريضة، الثانية نفلا، لقوة الأدلة التي استندوا عليها من حيث السند، اما ما استدل به اصحاب المذهب فهو دليل ليس بقوي السند.

([1]) ينظر: تحفة الاحوذي 2/4. والموسوعة الفقهية 27/173.

([2]) اخرجه مسلم، كتاب الصلاة- باب تأخير الصلاة عن وقتها المختار، رقم الحديث 1497- 2/120.

([3]) ينظر: بدائع الصنائع 3/137.

([4]) ينظر: الذخيرة 2/267.

([5]) ينظر: المجموع 4/222.

([6]) ينظر: المغني 1/786.

([7]) ينظر: السيل الجرار 1/163.

([8]) ينظر: تحفة الاحوذي 2/6.

([9]) ينظر: بدائع الصنائع 3/137، شرح فتح العزيز1/473، العناية 2/246، حاشية الطحاوي 1/292.

([10]) ينظر: الكافي في فقه اهل المدينة 1/219، بداية المجتهد 1/134، الذخيرة 2/267، الخلاصة الفقهية 1/101.

([11]) ينظر: فتح العزيز 3/261، روضة الطالبين 1/343، المجموع 4/222. حاشية الجمل 4/410.

([12]) ينظر: المجموع 1/786.

([13]) ينظر: السيل الجرار 1/163.

([14]) ينظر: المحلى 2/140.

([15]) ينظر: نيل الاوطار 3/114. الموسوعة الفقهية 27/174.

([16]) ينظر: روضة الطالبين 1/343، المجموع 4/222.فتح العزيز 3/261، حاشية الجمل 4/410.

([17]) ينظر: من لا يحضره الفقيه 2/307.

([18]) اخرجه الامام احمد في مسنده، رقم الحديث 17509- 4/160، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: اسناده صحيح. واخرجه الترمذي، كتاب الصلاة- باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة، رقم الحديث 219- 1/424، قال الترمذي: حديث يزيد بن الاسود حديث حسن صحيح. واخرجه النسائي في سننه، كتاب الصلاة- باب اعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده، رقم الحديث 866- 3/398. واخرجه ابن حبان في، كتاب الصلاة- باب مواقيت الصلاة، رقم الحديث 1565- 4/434

([19]) سبق تخريجه ص/210.

([20]) اخرجه ابو داود في سننه، كتاب الصلاة- باب فيمن صلى في منزله ثم ادرك الجماعة يصلي معهم, رقم الحديث 577- 1/225. واخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة- باب من قال الثانية فريضة وفيه نظر، رقم الحديث 3463- 2/302.

([21]) ينظر: تحفة الاحوذي 1/252.

([22]) ينظر: فتح الغفار : 1/545.