صلاة السنن والرواتب في السفر

0
52

السنن الرواتب: وهي السنن التابعة للفرائض، ووقتها وقت المكتوبات التي تتبعها.([1])

قال النووي:(( وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة؛ فكرهها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور)).([2])

فالذي يشير اليه النووي هنا: هو ان للعلماء مذهبين في هذه المسألة:

المذهب الاول: استحباب صلاة السنن الراتبة في السفر.

وهذا ما رجحه الامام المباركفوري حيث قال:(( المختار عندي المسافر في سعة؛ ان شاء صلى الرواتب، وان شاء تركها)).([3])

ونقل النووي عن الترمذي قوله: وبه قالت طائفة من الصحابة.([4])

وبه قال القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وابي بكر بن عبد الرحمن.([5])

واليه ذهب جمهور العلماء من الحنفية، بل وتجوز على الدابة عند ابي حنيفة.([6])والمالكية، ومما قاله الامام مالك: ولا بأس ان يصلي النافلة على دابته في السفر. ثم بينوا ماهية هذا النفل فقالوا: ولو كان النفل سنة مؤكدة كالوتر. فدخلت الرواتب عندهم في صلاة المسافر، وهو المشهور عندهم في المذهب.([7])

وهو قول الشافعية، ومذهبهم: إن الرواتب في السفر كالحضر، ولكنها لا تتأكد في السفر كالحضر.([8]) وقول اكثر الحنابلة، وهي رواية عن الامام احمد، وفي رواية عنهم: يخير بين فعلها وتركها، الا سنة الوتر والفجر فيفعلان.([9])

المذهب الثاني: عدم استحباب صلاة الرواتب في السفر.

وهو قول عبد الله بن عمرt.([10])

واليه ذهب الشيخ تقي الدين من الحنابلة.([11]) والامامية.([12])

  الأدلة ومناقشتها

أدلة المذهب الاول:

استدل اصحاب المذهب الاول القائلون باستحباب السنن الرواتب في السفر، بعدة ادلة، منها:

1- حديث ابن عمرt قال:(( كان النبيr يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يوميء ايماء، صلاة الليل، الا الفرائض، ويوتر على راحلته)).([13])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على انهr كان يصلي النوافل في السفر غبى دابته، وهنا اطلاق الرواتب من غير تقيد فأنها تدخل مع النوافل.

ويمكن ان يجاب عنه:

بأن ابن عمر راوي الحديث كان يفعل النوافل المطلقة في السفر، ولا يرى في ذلك بأسا، والنوافل المطلقة في السفر؛ هي ما اتفق العلماء عليها، كما ذكر ذلك النووي، اما الرواتب فكان ابن عمر لا يفعلها في السفر.([14])

2- وعن ابي قتادة من حديث طويل:(( ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول اللهr ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم…)) الحديث.([15])

قال النووي: فهاتان الركعتان سنة الصبح.([16]) وعند البخاري في صحيحه:(( ركع النبيrركعتي الفجر في السفر)).([17])

وجه الدلالة:

في الحديث دلالة واضحة على صلاتهr للرواتب في السفر، فأنهr كان يصلي الفجر، وهي من الرواتب، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

3- حديث البراء بن عازب الانصاريt قال:(( صحبت رسول اللهr ثمانية عشر سفراً؛ فما رأيته ترك الركعتين اذا زاغت الشمس قبل الظهر)).([18])

وجه الدلالة:

قال المباركفوري: الظاهر ان هاتين الركعتين هما سنة الظهر، فهذا الحديث دليل لمن قال: بجواز الاتيان بالرواتب في السفر.([19]) وسنة الظهر من سنن الرواتب.

ويجاب عليه:

بأن الحديث حمله بعض العلماء على سنة الزوال، لا على الراتبة قبل الظهر.([20])

ويمكن ان يجاب عن جوابهم هذا:

لم يثبت عن رسول اللهr المداومة في شيء غير سنة الظهر، ولم يعد احد من الفقهاء صلاة سنة الزوال من السنن المؤكدة، ولا من السنن المستحبة،([21]) فكيف يترك الرسولr السنة الراتبة المؤكدة؛ ويصلي سنة الزوال؟ ثم يصليها النبيr زيادة في العبادة، ولكن مع السنة المؤكدة، فيكون الحمل على سنة الزوال فيه نظر.

4- وعن ابن عمرt قال:(( صليت مع النبيr في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر اربعا، وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين، ولم يصلِ بعدها شيء، والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات، لا تنقص في الحضر ولا في السفر، وهي وتر النهار، وبعدها ركعتين)).([22])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على ان النبيr صلى ركعتين بعد الظهر في السفر، وهي من الرواتب، فتكون الرواتب مستحبة في السفر، كما هو واضح من منطوق الحديث.

ويمكن ان يجاب عن استدلالهم هذا:

بأنه ثبت عن ابن عمر انه قال:(( صحبت رسول اللهr؛ فكان لا يزيد على ركعتين، وابا بكر وعمر وعثمان كذلكy))، وهذا صحيح لا تعارضه الرواية السابقة.

أدلة المذهب الثاني

استدل اصحاب المذهب الثاني القائلون بعدم استحباب الرواتب في السفر بعدة ادلة، منها:

1- عن ابن عمرt انه قال:(( صحبت رسول اللهr؛ فكان لا يزيد على ركعتين، وابا بكر، وعمر، وعثمان كذلك)).([23])

2- وعن ابن عمر قال:(( صحبت رسول اللهr؛ فلم اره يسبح في السفر، وقال الله جل ذكره:((  ﯰﯱ     )).([24])

قال ابن حجر: يسبح: أي ينفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها.([25])

وجه الدلالة من الحديثين السابقين:

يدل الحديثين على انهr لم يصلي الرواتب في السفر، وهذا مراد ابن عمرt، كما هو ظاهر وواضح من منطوق الحديث.

ويجاب عنه:

ما نقله ابن حجر عن ابن دقيق العيد قال: وهذا لفظ يحتمل ان يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض؛ فيكون كناية عن نفى الإتمام، والمراد به الإخبار عن المداومة على

القصر، ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا، ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك.([26])

3- حديث عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال:                  (( صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناسا قياما، فقال ما يصنع هؤلاء؟  قلت: يسبحون. قال: لو كنت مسبحا؛ لأتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول اللهr في السفر؛ فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله)).([27])

يسبحون: أي يتنفلون. والمسبح: المتنفل بالصلاة. والسبحة: صلاة النفل.([28])

وجه الدلالة:

يدل الحديث على ان الرواتب لا تصلى بالسفر، وهذا فعل النبيr، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده لم يصلوا الرواتب. فلو كانت مندوبة لما تركوها.

ويجاب عنه:

بأن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها. وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلى، فطريق الرفق به أن تكون مشروعة، ويخير فيها. وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله:(( لو كنت مسبحا لاتممت)) يعني: أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام

أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم.([29])

    الترجيح

      وبعد العرض للاقوال وادلتها، واجراء المناقشة لها، فالرأي الراجح هو قول القائل: بأستحباب الرواتب في السفر، وذلك لان المثبت مقدم على النافي، وان اصحاب هذا القول يخيرون المسافر بين الصلاة وعدمها، فيكون العمل بالرأيين.

([1]) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 23/42. والفقه الاسلامي وادلته 2/247- 248.

([2]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/198.

([3]) تحفة الاحوذي 3/97.

([4]) ينظر: المجموع 4/401.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) ينظر: الحجة على اهل المدينة 1/182. المبسوط للشيباني 1/289. بدائع الصنائع 1/398. شرح فتح العزيز 1/463. العناية شرح الهداية 2/227- 228. حاشية رد المحتار 2/131.

([7]) ينظر: المدونة الكبرى 1/173. الخلاصة الفقهية 1/61. حاشية العدوي 3/75-  76.

([8]) ينظر: فتح العزيز 3/212. روضة الطالبين 1/338. المجموع 4/401. اسنى المطالب 1/207. مغني المحتاج 3/148. نهاية المحتاج 5/342. حاشية الجمل 4/291.

([9]) ينظر: المغني 1/478. الفروع 3/87. الانصاف 2/226. كشاف القناع 3/258. مطالب اولي النهى 3/188.

([10]) ينظر: المجموع 4/401. وشرح النووي على مسلم 5/198.

([11]) ينظر: المبدع 2/102.

([12]) ينظر: المعتبر 1/31.

([13]) اخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة- باب الوتر في السفر، رقم الحديث 1000- 2/32.

واخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة- باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، رقم الحديث 1645- 2/149.

([14]) ينظر: شرح سنن ابي داود 5/90.

([15]) اخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة- باب قضاء الصلاة الفائته واساحباب التعجيل قضائها، رقم الحديث 1594- 2/138.

([16]) المجموع 4/401.

([17]) اخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة- باب من تطوع في السفر، 2/57.

([18]) اخرجه الامام احمد في مسنده، رقم الحديث 18606- 4/292، قال شعيب الاناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: اسناده صعيف لجهالة سبرة. 

واخرجه ابو داود في سننه، تفريع صلاة المسافر- باب التطوع في السفر، رقم الحديث1222- 2/8.

واخرجه الترمذي في صحيحه، ابواب السفر- باب ما جاء في التطوع في السفر، رقم الحديث 550- 2/435، قال ابو عيسى: حديث البراء حديث غريب، ونقل الترمذي عن البخاري انه رآه حسنا. (المجموع  4/402. فتح الباري لابن حجر 2/579). وقال الصنعاني: قال الترمذي: حديث حسن غريب.( فتح الغفار الجامع لاحكام سنة نبينا المختار 1/602).

([19]) تحفة الاحوذي 3/95.

([20]) ينظر: فتح الباري لابن حجر 2/579.

([21]) ينظر: جمع الوسائل في شرح الشمائل، للملا نور الدين علي بن سلطان بن محمد الهروي القاري، ت1014هـ، ص 114، دار الاقصى.

([22]) اخرجه الامام احمد في مسنده، رقم الحديث 5634- 2/90، قال شعيب الارناؤوط بهامش تحقيقه للكتاب: اسناده ضعيف. واخرجه الترمذي في سننه، كتاب ابواب السفر، بتب ما جاء في التطوع في السفر، رقم الحديث 552- 2/437، قال ابوعيسى: هذا حديث حسن. وقال: سمعت محمدا يقول: ما روى ابن ابي ليلى حديثا اعجب الي من هذا، ولا اروي عنه شيئا. قال البخاري: ما روى ابن ابي ليلى حديثا اعجب الي من هذا الحديث. هذا كلام الترمذي، وعطية، والحجاج. وابن ابي ليلى ضعيف، وقد حكم بأنه- أي الحديث- حسن؛ فلعله اعتضد عنده بشيء.(المجموع 2/402).

([23]) سبق تخريجه ص/254 .

([24]) اخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة- باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة، رقم الحديث 1101- 2/ 56.

([25]) فتح الباري لابن حجر 2/577.

([26]) فتح الباري لابن حجر 2/577.

([27]) اخرجه مسلم، كتاب الصلاة- باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم الحديث 1611- 2/144.

([28]) شرح سنن ابي داود 5/90.

([29]) ينظر: فتح الباري لابن حجر 2/577.